العراق.. والانسحاب الأمريكي من سوريا!
في التاسع عشر من الشهر الجاري، وعبر موقع "تويتر"، قلب الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب الطاولة على الكثيرين وذلك بقرار الانسحاب الأمريكيّ من سوريا، الذي عدّه الكثير من المتابعين للأحداث في منطقتنا العربيّة بأنّه مفاجأة كبيرة، وخطوة غير واضحة.
الولايات المتحدة دولة مؤسّسات كبيرة، ولا يمكن أن تخطو مثل هذه الخطوة دون ترتيبات أوليّة، أو خطة استراتيجيّة، ومنْ يتصوّر أنّ القائد المُعاكِس دونالد ترامب قد نفّذ القرار وفقاً لسياسة الانفراد والدكتاتوريّة المطلقة؛ فهو واهم وهْماً شديداً.
قرار ترامب المؤجّل منذ نيسان/ أبريل الماضي، صدر في توقيت خطير؛ كان العالم يترقب فيه أثر العقوبات الأمريكيّة القاسية على إيران، والتي نفذت قبل شهرين تقريباً، وربما هنالك من كان يترقّب توجيه ضربة عسكريّة لإيقاف تنمّر إيران ولتقليم أظافرها في المنطقة.
في يوم الاثنين الماضي، طلب وزير الخارجيّة الأمريكيّ خلال محادثات هاتفيّة مع الرئيس العراقيّ ورئيس الوزراء "دخول قوات عراقيّة لمسافة 70 كم داخل سوريا لسدّ الفراغ بعد انسحاب القوات الأمريكيّة".
وبعد ذلك بيومين، قال رئيس حكومة بغداد عادل عبد المهدي: "قد تدخل قواتنا إلى سوريا من أجل الحفاظ على أمن البلاد"!
ومن المتوقع أن يكون الإطار الزمنيّ لانسحاب نحو 2000 عسكريّ من القوات الأمريكيّة من سوريا، بما بين 60 إلى 100 يوم.
من جانب آخر، ذكرت لجنة الأمن والدفاع في برلمان العراق أنّ "انسحاباً سريّاً أمريكيّاً قد بدأ باتجاه بعض المدن الحدوديّة، ومنها الأنبار والموصل"، فيما توقّعت مواقع إخباريّة عربيّة "قيام الجيش الأمريكيّ في أربيل بإنشاء غرفة عمليّات مشتركة مع البيشمركة وجزء من قوات سوريا الديمقراطيّة للتنسيق ضد التدخلات الإيرانيّة"!
السياسيّ العراقيّ السابق وعضو الحزب الجمهوريّ الأمريكيّ، أيهم السامرائي، كتب مقالاً مليئاً بالأحلام الورديّة التي لا نهاية لها، أكّد فيه أنّ "الأمور في واشنطن تتسارع قبل نهاية العام، وأنّه بعد سنتين تقريباً من بدء حكم الرئيس ترامب، بدأ الناخب الأمريكيّ والعالم يلمس التالي:
- الانسحاب من سوريا بعد إضعاف "داعش"، وإدخال القوات التركيّة كبديل للقضاء على أعوان إيران والأكراد المعادين لها، وبموافقة أسديّة وروسيّة وإسرائيليّة.
- تحرّك قوات أمريكيّة من قواعدها في الكويت لتتمركز على الحدود الكويتيّة العراقيّة.
- تحرّك قوات درع الخليج على الحدود مع العراق للاستعداد للضربة الكبيرة.
- حكومة طوارئ في العراق يقودها جنرالات من الجيش العراقيّ لبناء العراق وتطويره بأوقات قياسيّة، لتخلّفه وتراجعه عن المنطقة والعالم خلال العشرين سنة الماضية"!
وتصوّرات السامرائي الخياليّة نسمعها منذ أكثر من خمس سنوات، دون أن يكون لها أيّ سند على أرض الواقع!
وفي الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، ذكر موقع "ديبكا" الاستخباراتيّ الإسرائيليّ أنّ "إعلان الإدارة الأمريكيّة الانسحاب الكامل من سوريا يعني أنّ حركة السير بين إيران وسوريا عبر العراق ستصبح أكثر سهولة، وسينقل السلاح الإيرانيّ مباشرة إلى سوريا وحزب الله دون أيّ اعتراض"!
وفي العراق، اتهم الحشد الشعبيّ الولايات المتحدة بإفساح المجال لعناصر تنظيم داعش لـ"التوغل في الأراضي العراقيّة عبر قرار سحب قواتها من سوريا، فيما أكّد استعداده لأيّ خطر محتمل"!
هذه الخلطة من التصريحات والتحليلات والتوقعات غير المتناسقة؛ تؤكّد أنّ ترامب أدخل العالم في دوّامة جديدة بشكل مقصود ومخطّط له، وربما سنرى بعض صورها بداية العام القادم!
الانسحاب الأمريكيّ من سوريا يعني ببساطة أنّ إيران عادت (وربما بضوء أخضر أمريكيّ) للتحكّم بقوّة في الساحتين العراقيّة والسوريّة، والحقائق على الأرض تثبت ذلك، ومن يقول خلاف هذا الكلام عليه أن يأتي بالدليل من الواقعين السوريّ والعراقيّ.
أمريكا تريد أن تجلس على التَلّ، وتنتظر نتائج زلزال انسحابها من سوريا، وأسطولها في المنطقة وقواتها في غالبيّة دولها؛ بانتظار الإشارة لسدّ الفراغ الذي سيحصل هنا، أو هناك، وساعتها سنكون أمام بداية مرحلة ترتيب "شرق أوسط جديد وممزّق"، تكون فيه الكلمة الأولى والأخيرة لواشنطن، وهذا ما يصبو إليه التاجر المُتترِّس بأسلحة الدولة الأولى في العالم، دونالد ترامب!
وسوم: العدد 805