الأنساق الزئبقية ، في دوّامات الدم ، مرشّحة للتكاثر..وأمّ قَشعَم لا تدري ، أين تُلقي رحلَها !
قال الشاعر الجاهلي، زهير بن أبي سلمى، في قصيدته الميمية(المعلّقة)، متحدّثا، عن رجل، اسمه: حصين ابن ضَمضَم :
وقد اختلف علماء اللغة ، حول أمّ قشعم : أهي الضبع ، أم النسر، أم العنكبوت ، أم المَنيّة..!
ومعلوم ، أنّ هذه العناصر، وما هو في حكمها ، تكثر، في أماكن الحروب ؛ طلباً للغذاء ، من جثث القتلى ، الذين يهلكون ، في الحرب !
وقد عبّر شاعر آخر، عن هذا المعنى ، بقوله :
وقد رأى العالم ، كلّه ، أمّ قشعم ، بتسمياتها المختلفة ، ما تفعل بجثث الهلكى ، في : سورية ، والعراق ، واليمن، وليبيا.. بعد أن يفعل السلاح ، بأنواعه ، فعلَه ، بهذه الجثث الآدمية..وبعد أن يفعل كلٌّ ، من : المرض، والبرد ، والتعذيب ، والغرق .. فعله ، بهذه النفوس البشرية !
فهل بات سادة ُالعالَم المتمدّن ، جميعاً ، شبّيحة ، عند أمّ قشعم ؛ بمن فيهم الساسة ، وتجّار السلاح .. أم صاروا مرتزقة ، عندها : تطعمهم ، من أموال هذه النفوس ، وأوطانها .. بقدر ما يطعمونها ، من أشلائها !
وإذا كانت دوّامات الدم والدمار، في عدد من الدول العربية ، قد صارت أنساقاً قائمة ، بذاتها ، يصنعها سادة العالم المتمدّن ، ووكلاؤهم ، وعملاؤهم ، وعبيدهم .. فإن هذه الأنساق ، كانت - في أكثريتها- إلى وقت قريب، شبه مستقرّة ، والنسقُ المتحرّك الوحيد ، كان النسق السوري ، في نظر بعض المحللّين السياسيين ! وقد سُمّي: النسقَ الزئبقيّ ؛ لشدّة اضطرابه ، وكثرة تحرّكه ، وتبدّل شكله ! فالآنَ ، أكثرُ هذه الأنساق الرهيبة ، في دوّامات الدم والدمار، صارت أنساقاً زئبقية ، بعد أن كثرت عناصرها : المحلّية ، والإقليمية ، والدولية .. وبَعدَ تداخُل هذه العناصر، فيما بينها، بينَ تَعارُك وتشارُك؛ وفقاً لتطوّرات كلّ نسق، وتغيّرات عناصره ، وتبدّلات أشكاله!
وإذا كان النسق - أيّ نسق – بمجمله ، مجموعة ، من العناصر المترابطة ، يؤثّر كلّ منها ، في العناصر المختلفة ، ويتأثّر بها ، سلباً وإيجاباً.. فإنّ تدخّلات القوى : المحلّية المختلفة ، والإقليمية المتنوّعة ، والدولية المتزاحمة .. قد جعلت كلّ نسق ، من هذه الأنساق ، لُغزاً ، صعب الحلّ ، أو معادلة دامية ، معقّدة ، لايكاد اللبيب ، يَعرف أوّلها ، من آخرها .. أو هي : مطحنة رهيبة ، بشعة ، شاذّة .. تطحن العظام والأشلاء ، في كلّ بقعة ، تحلّ فيها !
وهذا ، كلّه ، في الحديث ، عمّا جرى ، من سنين ، ويجري ، في عدد ، من الدول العربية !
أمّا ماهو مرشّح ، لأن يجري ، في الدول ، التي بدأت تشهد اضطرابات سياسية ، شبيهة بما سبقها .. فهو نذير: للألباب التي تفكّر، والقلوب التي تعقل ، والعيون التي تبصر، والآذان التي تسمع !
وأمّ قشعم بالانتظار!
وسبحان القائل : ربّكم أعلمُ بما في نفوسكم إنْ تكونوا صالحين فإنّه كان للأوّابين غفوراً .
وسوم: العدد 814