احتدام الصراع بين رؤوس النظام الإيراني
اقترح روحاني في الآونة الأخيرة أن يعرض بعض المسائل الخلافية بين زعماء النظام للاستفتاء الشعبي مباشرة، وهذا الكلام تحوّل إلى صراع جديد داخل النظام بين الجناحين الحاكمين، وتطوّر الأمر لحرب على السلطة داخل النظام.
أسئلة كثيرة طرحت حول الموضوع من بينها:
لماذا أثار روحاني موضوع الاستفتاء حول التعديلات الدستورية والاتفاق النووي في هذا التوقيت بالذات؟
هل هي مناورة وخدعة أم أنها صراع حقيقي؟
وما هي المواضيع التي طرحت واستجدت خلال هذا الصراع؟.
إن طرح موضوع الاستفتاء من جهة له انعكاس على طبيعة الصورة المطلقة للنظام، والتي أسهمت في الوصول إلى طريق مسدودة من جهة، ومن جهة أخرى أكدّت على مدى اشتداد الأزمة الداخلية والصراع على السلطة في رأس النظام، وبالتحديد بين خامنئي، وروحاني.
إن الصورة التي جسدها النظام الحاكم بشكله المطلق، وكيفية التعامل مع حكومة روحاني يعترفون بذلك كما يعترف الأعضاء المرتبطين بالمرشد خامنئي بأنه كيف تمّ عزل وزراء حكومة روحاني ولم يستطع القيام بأي أمر حيال ذلك.
وروحاني في رده على هذه الهجمات طرح موضوع الصلاحيات، وموضوع إعادة النظر في الدستور؛ وذلك ليقول لهذا السبب لا أستطيع عمل شيء لأني لا أملك صلاحيات، ولحصولي على صلاحيات أوسع يجب إعادة النظر في الدستور وزيادة صلاحيات الرئيس في بعض فقراته، وبخاصة في المجالات الاقتصادية والسياسية.
أي القضايا سيتناولها الاستفتاء؟
إن غاية روحاني من الصلاحيات كما تحدث أكثر من مرة هي صلاحيات حول اللقاءات والمفاوضات. المفاوضات أيضا تعني المفاوضات مع أمريكا. في الواقع موضوع الاستفتاء يعود لجذور مواجهة بين خطين داخل النظام: الأول يقول: بأن طريق الحل من خلال فتح حوار وبناء علاقات مع أمريكا والتعامل معها، والجناح المقابل ممثلاً بخامنئي ومن ورائه الحرس الثوري ومؤسسات الدولة الصلبة تقول: إن هذا الطريق سيؤدي إلى تدمير نظام ولاية الفقيه وطريق السقوط، وليس لدينا حلّ سوى الصمود.
القضية الأخرى التي أشار إليها روحاني ليست واضحة بشكل دقيق، لم يحدد ما هي، ويطالبونه بالحديث عنها بصراحة لتحديد ما هو هدفه وغايته، في الوقت الذي لم يفي بمعظم الالتزامات والتعهدات التي قطعها على نفسه؟
من الواضح أن المخاطب ليس الشعب أبدا، لأن الشعب لن تنطلي عليه أساسا تمثيليات النظام المثيرة للسخرية تحت عناوين الانتخابات والاستفتاء وما شابه ذلك. فمن وجهة نظر الشعب كلا الجناحين؛ الإصلاحي، والمحافظ، يتبادلان الأدوار، ولم يعودا يتمتعان بالقدرة على الاستمرار في التمثيل.
لا شك بأن كلام روحاني كان موجهًا لخامنئي، وهو: إما أن تتحمل المسؤولية بنفسك وتديرها كما تشاء، أو قدم لي صلاحيات كافية حتى أتمكن من التحرك، لأن خامنئي في نهاية المطاف هو الذي يدير معظم الأمور من جهة، ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة في المفاوضات النووية، وعندما يفشل الأمر يتكلم بازدواجية ويعزي الفشل إلى لعبة المعارضة وفي النهاية يلقي كل اللوم على روحاني وحكومته.
وقد أشار روحاني خلال حديثه الأخير مع رؤساء وسائل الإعلام الحكومية يوم ٢٥ مايو بالتحديد لنفس الموضوع، وأشار أيضا للظروف الصعبة والخاصة التي بات يعاني منها النظام، وقال: "في أول يوم بدأت فيه العقوبات قلت لحضرة المرشد بأن البلاد اليوم بحاجة لقائد، واليوم هناك حرب ضدنا، وهذه الحرب تحتاج لقائد، وقلت لحضرته بأن أفضل قائد لها هو أنتم، ونحن أيضا لكم مطيعون بأن تتولوا القيادة، وتفضل حضرت المرشد بالقول: لا، وبعدها قال: يجب عليك أنت تتولى القيادة. ليس هناك إشكال، وأي شخص يريد تولي القيادة ليس مهما، ولكن المهم هي صلاحيات القيادة وإلا ما النتيجة".
وقد كشف روحاني في الحديث نفسه عن تلون وخداع خامنئي، وأنه ألقى فشل الاتفاق النووي على ظهر روحاني وتظاهره بأنه كان معارضا لهذا الاتفاق، عندها ذكر روحاني بأن خامنئي كان موافقا عليه وباركه.
وطبعا فإن طرح بحث الاستفتاء من قبل روحاني وحكومته في هذا التوقيت، هو أحد مسرحيات النظام بالتوافق مع بعض المكونات السياسية لمحاولة استرضاء الشعب الإيراني، ولإظهار ذلك للعالم بأنه في داخل إيران هناك جناح وسطي ومعتدل ومؤيد للتفاوض، المؤكد على ما يبدو بالنظر لنهاية عصر الاسترضاء والضحك على الشعب، فإن هذه الرسالة لم تجد من يتلقاها ويؤيدها، ولن تستطيع حل أي أزمة من أزمات النظام.
ما سبب طرح الموضوع في ظل الظروف الحالية؟
خامنئي يحرض على الاطاحة بروحاني، والنظام يمر بظروف خاصة، وكما قال خامنئي في حديثه في ٢٢ مايو مخاطبا أنصاره : اذهبوا وجهزوا أرضية لقدوم حكومة شابة من شبان حزب الله، فقط في هذه الحالة ستنتهي كل مأساتكم وأحزانكم، وطبعا هذا الحزن ليس خاصا بكم فهو حزني ومأساتي أيضا، هذا نفسه خامنئي الذي قال عدة مرات: بأني أدعم وما زلت أدعم جميع الحكومات، ولكن بهذه الكلمات يطلق رصاصة الرحمة على حكومة روحاني التي تحتضر فعلياً، وفي الواقع فإن حديث روحاني الذي تلى هذه التصريحات وطرحه لموضوع الاستفتاء وإعادة النظر في الدستور كان ردا على هجوم خامنئي بأن يلقي الكرة في ملعب الشعب ليقرر ، ومن باب النكاية بخامنئي.
جذور الأزمة:
جذور الأزمة وما يجري يعكس طبيعة المأزق الذي باتت تعيشه إيران، وذلك نتيجة للأزمة الاجتماعية والاقتصادية الطاحنة، والخوف من تفجر الاحتجاجات، فأول مرة يطرح فيها روحاني موضوع إعادة النظر في الدستور كان في حديثه بمناسبة ١١ فبراير ٢٠١٧ وبعد انتفاضة ديسمبر ٢٠١٧، الانتفاضة هزت أركان النظام وجعلته يغرق في الخوف، وروحاني من خلال طرح هذا الموضوع في الحقيقة يسعى لإنقاذ النظام، وإطالة عمره.
نائب الرئيس الإيراني جهان غيري شبه الظروف الاجتماعية بغرفة مليئة بالغاز بانتظار شرارة واحدة لتنفجر، أما رحماني فضلي وزير الداخلية في حكومة روحاني فهو يشاركه ذلك ، مبينا ذعره من الثورات الاجتماعية والظروف التي تمهد لانفجار اجتماعي غير مسبوق: " نحن نمر في ظروف استثنائية وغير مسبوقة على الصعيدين الداخلي والدولي، وقد تؤدي إلى نتائج كارثية، أما محسن هاشمي ابن رفسنجاني ورئيس مجلس مدينة طهران قال في ٢٠ مايو ٢٠١٨: "السخط الشعبي في الظروف الحالية هو أكبر تهديد للنظام وهو أخطر وأهم من التهديدات الخارجية".
المؤكد بأن الأزمة في رأس النظام الإيراني وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، ودخلت في مرحلة كسر عظم، ووصلت إلى مستوى أن يقوم الولي الفقيه بالتحريض فعليا على الإطاحة بحكومة روحاني علناً، وبموازاة ذلك تلويح روحاني بتحدي الولي الفقيه وسلطته المطلقة من خلال طرح موضوع إعادة النظر في الدستور، في الوقت الذي بات فيه الشعب الإيراني وقواه الحيه أمام قدره التاريخي، قدر تاريخي سيتحقق بإرادة الشعب الطامح للتغيير ، والاطاحة بنظام الولي الفقيه إلى غير رجعه.
وسوم: العدد 827