الدولة والدولتان والمشروع الوطني الفلسطيني
حديث الدولة الواحدة في فلسطين معاد، تفرضه الظروف المستجدّة والوقائع، ويحتّمه البحث الدؤوب عن المشروع الوطني الفلسطيني لدى النخب والفاعليات الفلسطينية التي تحاول تحديد ملامحه، بعد أن انحرفت بوصلته، وعصفت به محاولات التوصل إلى سلامٍ زائف، أدّت إلى تجزئة الشعب العربي الفلسطيني بين أراضٍ محتلة في عام 1948، وأخرى احتُلت في عام 1967، والشتات، ومن ثم تجزئة المجزوء ما بين الضفة الفلسطينية وقطاع غزة. ليغيب عنها جميعًا مشروع وطني فلسطيني شامل، تمثل، في مرحلة سابقة، بالميثاق القومي، وتالياً الوطني، لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي وحّد الشعب الفلسطيني في جميع أماكن وجوده، عبر هدف مركزي، تمثّل في تحرير فلسطين كلها، وحدّد أساليب نضاله في تلك المرحلة، وجعل من الكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد طريقًا وحيدًا للتحرير.
حاول المسؤولون عن العلاقات الخارجية في حركة فتح، في العام 1968، الإجابة عن سؤال متكرّر لنظرائهم الناشطين في بعض الأحزاب الأوروبية، والتي بدأت ترتبط بعلاقاتٍ متناميةٍ مع حركة التحرّر الوطني الفلسطينية، حول ما ينوي الفلسطينيون والعرب فعله في ملايين اليهود الذين قدموا إلى فلسطين، وأسّسوا فيها دولة "إسرائيل". وكانت هذه الأسئلة، في معظمها، ردة فعل على الدعاية الصهيونية التي بالغت في تصوير ما تناقلته وسائل الإعلام العربية عن عزم العرب إلقاء اليهود في البحر، بعد تحريرهم بلدهم. وللمرة الأولى في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، أُطلق شعار الدولة الديمقراطية في فلسطين كلها، والتي
سيتعايش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود. تبنّت الفصائل الأخرى شعار حركة فتح، الخاص بالدولة الديمقراطية في فلسطين، وأصبح شعارًا لمجمل الحركة الوطنية الفلسطينية، لكن جميع ما قيل عنها لا يتعدّى أنها دولة ديمقراطية، تتكفل بتعايش الأديان الثلاثة، وإن كان بعضهم لاحقًا قد اجتهد بإطلاق أوصافٍ أخرى عليها، مثل وسمها بالعلمانية. وبقي الشعار محافظًا على هدف تحرير فلسطين كلها، كي تتسنّى إقامة مثل تلك الدولة بعد تحريرها، والتي ستتكفل بتعايش الأديان الثلاثة على أرضها المحرّرة. بقي هذا الشعار مقتصرًا على بعض النخب، ولم يشهد تفاعلات ذات تأثير لافت في داخل المجتمع الفلسطيني، ولم يتعدَ تأثيره أروقة الحركات الغربية المتعاطفة مع القضية الفلسطينية، ولم ينجح في إحداث أي اختراق فعليٍّ في بنية المجتمع الإسرائيلي. كما لم يتبنّه في تلك المرحلة (نهاية الستينيات والسبعينيات) أيٌّ من القوى السياسية العربية في داخل الوطن المحتل في عام 1948. خفَت شعار الدولة الديمقراطية في فلسطين بالتدريج، بعد أن دخل المشروع الوطني الفلسطيني في مرحلة جديدة، نتيجة التطورات التي أعقبت حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، وتبني الفصائل الفلسطينية، على اختلافها، برنامجًا مرحليًا لإقامة سلطة وطنية، عُرف باسم برنامج النقاط العشر، واعتراف مؤتمر القمة العربية المنعقد في الرباط في عام 1974 بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلًا شرعيًا ووحيدًا للشعب الفلسطيني. بدأت ملامح هذه المرحلة تتضح بالتدريج. وكانت الصيغ الأولى التي أُعلنت للبرنامج المرحلي مضللة، تهدف إلى احتواء أي معارضة داخلية لها. ووصف برنامج النقاط العشر "بالمرحلي"، أي أنه مرحلة على طريق التحرير، والسلطة المنوي إقامتها على جزءٍ من فلسطين وُصفت بأنها "مقاتلة"، والأرض التي ستُقام عليها هذه السلطة هي أي أرضٍ " تتحرّر"، وهو ما ساهم في عدم حدوث فرزٍ واضح في الساحة الفلسطينية، كردة فعل على الانقلاب الذي حدث على المشروع الوطني الفلسطيني. ولكن المسألة، في حقيقتها، لم تكن مجرد تلاعب بالألفاظ، ذلك أنّ عوامل أخرى أدّت إلى استمرار تماسك منظمة التحرير بتياراتها المختلفة، وبقائها في موقع المجابهة مع العدو الصهيوني. إذ إنها، على الرغم من جنوحها إلى التسوية، ورغبتها في الانخراط فيها، وتخليها عن برنامج تحرير فلسطين كلها، استمرّت في موقع المواجهة مع العدو الصهيوني، عبر العمليات العسكرية في الداخل الفلسطيني أم عبر الانخراط في الحرب الأهلية في لبنان، ومواجهة الاجتياحات الصهيونية له، فالانخراط في عملية التسوية ليست مجرّد قرار تتخذه جهة فلسطينية أو عربية ليتم قبولها فيها، إذ يشترط العدو ويعمل على أن تكون هذه الجهة ضعيفة بما يكفي لفرض شروطه عليها. لذا، لا بد من إنهاكها، ومحاولة القضاء عليها، والسعي إلى توفير بدائل، تكون أكثر انصياعًا لرغباته. أما منظمة التحرير، فعليها أن تقاتل لتحتفظ بما يكفي من الأوراق التي تكفل انخراطها في مسار التسوية المفترضة، وضمان عدم قدرة الآخرين على استثنائها منها، أو البحث عن بدائل لها. استدعى تعديل الهدف الاستراتيجي للثورة الفلسطينية المعاصرة تغييرًا في السياسات والتكتيكات
والتحالفات؛ وأصبح لبنان ورقة مساومة، بدلًا من أن يكون قاعدة ارتكاز، وأضحت معركة التمثيل القضية الرئيسة، وارتبط بها شعار القرار الفلسطيني المستقل الذي تم حرفه عن أهدافه، وتفوّقت مسألة من يشغل المقعد الفلسطيني في المفاوضات المرتقبة على مسألة الحقوق الفلسطينية. وقاد ذلك إلى صراعات واشتباكات جانبية، تارّة مع الأردن وتارة مع سورية، في صراعاتٍ وتحالفاتٍ متبادلة بين الأطراف الثلاثة على من يحتل المقعد الأول في قطار التسوية. وأصبح الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلًا وحيدًا للفلسطينيين يعادل الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، وما عادت المسألة تتعلق بالهدف المراد تحقيقه من المفاوضات، بل من يذهب إليها ويمثل الفلسطينيين فيها، وتجلى ذلك بأوضح صوره في اتفاق إعلان المبادئ بين منظمة التحرير وإسرائيل (أوسلو) الموقع في البيت الأبيض في 1993، حين اعترفت المنظمة بـ"حق" إسرائيل في الوجود، في حين اعترفت إسرائيل بأن المنظمة هي الجهة التي سوف "تمثل" الفلسطينيين في مفاوضات الحل النهائي. بالتدريج، ومنذ عام 1974، شكّل "حل الدولتين" إطارًا جديدًا لما يُعرف بالمشروع الوطني الفلسطيني، وجاءت مفاوضات مدريد ثم اتفاق أوسلو ليضعا حدودًا له، تمثلت في سعي القيادة الفلسطينية إلى إقامة دولة على الأراضي الفلسطينية التي احتُلت في حرب عام 1967، والتي تشكل ما نسبته 22% فحسب من مساحة فلسطين التاريخية. رضيت القيادة الفلسطينية بهذا الحل، معتقدة أن اعترافها بإسرائيل، وتنازلها عن باقي فلسطين، سيؤهلها للحصول عليه، لكنها لم تحصل سوى على الاعتراف بصفتها التمثيلية للشعب الفلسطيني، ولم تنجح، ولم تستطع، ولم يكن في أولوياتها التفاوضية في تلك المرحلة انتزاع اعتراف واضح بحد أدنى من الحقوق الفلسطينية، معتقدة أنها انتزعت اعترافًا كافيًا من خصومها بصفتها التمثيلية، وأن هذا الاعتراف سيمكّنها مستقبلًا من انتزاع بعض الحقوق عبر عملية مفاوضات طويلة ومعقدة. وبذلك، تم تأجيل قضايا القدس والحدود واللاجئين والمستوطنات والأسرى إلى ما عُرفت بمفاوضات الحل النهائي التي سرعان ما توقفت، ولم تُسفر سوى عن تضاعف أعداد المستوطنين والمستوطنات عشرات المرّات، واستمرار
المخططات الصهيونية لتهويد القدس وابتلاع الأرض وبقاء الاحتلال. وعلى الرغم من مرور ستة وعشرين عامًا على توقيع تلك الاتفاقات، ما زالت السلطة الفلسطينية تتمسك بأن المشروع الوطني الفلسطيني هو حل الدولتين. وما يزال هذا الحل، ولو لفظيا، يحظى بدعم دولي، على الرغم من استمرار الخلاف على حدود تلك الدولة الموعودة وماهيتها ومدى صلاحياتها. ومع مرور الزمن، تقلصت المساحات المتاحة لها باستمرار الاستيطان والتهويد، والسيطرة الصهيونية المطلقة على نواحي الحياة فيها كلها. واعترفت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ونقلت سفارتها إليها. كما تصاعد الحديث والتأييد الأميركي لضم المستوطنات والمناطق التي تُعرف باسم المناطق ج إلى الكيان الصهيوني، بحيث استحالت الضفة الغربية إلى مجموعة كانتوناتٍ معزولة بعضها عن بعض. وجدير بالذكر أن العدو لم يستخدم يومًا كلمة انسحاب عند تراجعه عن أي منطقة في الضفة الغربية وقطاع غزة، مهما كان تصنيف هذه المناطق، أ أم ب أم ج، وإنما أطلق على عمليات الانسحاب المحدودة التي قام بها اسم عمليات "إعادة الانتشار"، وهو المبرّر الذي استخدمه في الانتفاضة الثانية لإعادة اجتياح هذه المناطق المستمر. وذلك يعني أن الأرض الفلسطينية المحتلة منذ 1967 ما زالت محتلة، ويعزّز هذا الرأي عدم تمتع السلطة الفلسطينية بأي صلاحيات فعلية، عدا قيامها ببعض الأعباء عن الاحتلال، ما يجعل من احتلاله الأرض الفلسطينية احتلالًا مجانيًا، بل أعادت سلطات الاحتلال صلاحيات الحكم العسكري، بإعادة تفعيلها ما أطلقت عليه اسم "الإدارة المدنية"، واستغنت في مسائل حياتية عديدة عن الدور الذي كان مناطًا بالسلطة الفلسطينية، وسيطا بين المواطن والاحتلال، معيدة تلك المهمات إلى ضباط الإدارة المدنية مباشرة. ولعل في ذلك إشارة واضحة إلى رغبة العدو نفسه في إنهاء ما تبقى من مظاهر السلطة للسلطة الفلسطينية، تمهيدًا لضم الضفة الغربية، أو أجزاء واسعة منها، وتحويل الجزء الباقي إلى كانتونات معزولة، ومرتبطة بالنظام الأمني الصهيوني، قد تتمتّع بحدّ أدنى من الحكم الذاتي، في ظل دولة يهودية تسعى جهدها إلى وضع العراقيل أمام السكان العرب، لحملهم، اختيارًا أو اضطرارًا، على الخروج من بلادهم، ولعله هنا تكمن إحدى الفروق المهمة بين نظام الأبارتايد والتمييز العنصري السابق في جنوب أفريقيا والاحتلال الكولونيالي ونظام الأبارتايد والتمييز العنصري الصهيوني، في أن الأول كان يريد الاحتفاظ بالسود في دولته، مع عزلهم في كانتونات وحرمانهم من حقوقهم المدنية والسياسية. أما في حالتنا، فإن النظام الصهيوني يعمل
على طردنا وتهجيرنا خارج بلادنا بجميع الوسائل المتاحة. ثمّة ما يشبه الإجماع لدى الرأي العام الفلسطيني على أن حل الدولتين قد انتهى، بل ثمّة آراء متزايدة تفيد بأنه لم يكن يومًا يمثّل المشروع الوطني الفلسطيني، لتجاهله الجزء الأكبر من الأرض الفلسطينية والفلسطينيين الذين بقوا فيها، تمامًا كما تجاهل جموع اللاجئين وحقهم المقدس في العودة إلى بلادهم. والأنكى من ذلك كله أن المنادين به لم يدركوا أبعاد المشروع الصهيوني في فلسطين، واعتقدوا أن ثمّة فرصةً للتوصل إلى أنصاف حلول بين الروايتين، الصهيونية والفلسطينية، عبر تنازلهم عن أغلب الأرض الفلسطينية، وقبولهم بدويلة هزيلة ترتهن في قراراتها وقدراتها إلى العدو ذاته. وقد أثبتت الأيام، منذ النكبة مرورًا بأوسلو وحتى الآن، أن التعايش بين الروايتين الصهيونية والعربية غير ممكن. وإذا كان حل الدولتين قد انتهى أو كاد، وفي جميع الأحوال ما عاد يمثل المشروع الوطني للشعب الفلسطيني كله، فإن ثمّة ميلا متزايدا لدى الكيان الصهيوني إلى السعي نحو تفتيت السلطة الفلسطينية، وتهميشها وإضعافها، والحد من صلاحياتها، وحصرها في كانتوناتٍ معزولة، وترقب انهيارها، سعيًا وراء ضم الضفة الغربية واحتوائها. ولذا، على الذين كانوا ينادون دومًا بضرورة حل السلطة الفلسطينية، وكانوا محقّين، التوقف عن ذلك الآن، حتى لا يضعوا قمحهم في طاحونة العدو. والالتفات إلى محاربة محاولات تطبيق ما عُرفت بصفقة القرن، وتحويل شعار حل الدولتين إلى دحر الاحتلال، وتفكيك المستوطنات، وتصعيد المقاومة والهبات الشعبية في أرجاء فلسطين. حل الدولة الواحدة والمشروع الوطني بعد اتفاق أوسلو، شعرت الحركة الوطنية الفلسطينية في فلسطين المحتلة عام 1948 بأن فلسطينيي هذه الأرض أصبحوا خارج المشروع الوطني الفلسطيني الذي عُرف، في ذلك الوقت، بحل الدولتين. ووسط مخاوف حقيقية بأن تتضمن ترتيبات "أوسلو" وما بعدها متابعة لسياسة التمييز والإقصاء والطرد والتهجير، تمكّنت الحركة الوطنية من إعادة بناء نفسها مجموعة قومية تحول دون ذوبانهم في المجتمع الصهيوني، وتهدف إلى المحافظة على الهوية العربية للفلسطينيين في تلك المناطق، والنضال من أجل حقوقهم السياسية الجماعية. إثر فشل مباحثات كامب ديفيد الثانية في عام 2000، "ذهبت السكرة وجاءت الفكرة"، كما يقول مثل شعبي دارج؛ تبخّر الوهم بإمكان تحوّل السلطة إلى دولة عبر المفاوضات، ولم تنجح عسكرة الانتفاضة الثانية في حمل العدو على تغيير موقفه، ثم فشل الرئيس محمود عباس الذي أعاد إنتاج "أوسلو" بصيغة قائمة على مزيد من التطمينات والتنازلات، والحرص على الأمن الصهيوني، في الحصول على أي مكسبٍ ملموس، واستفحل في عهده الاستيطان والتهويد، وجرى الإعلان عن "صفقة القرن"، وتبنت إسرائيل قانون يهودية الدولة، وظهر توجه متزايد للمجتمع الصهيوني نحو اليمين. منذ البداية، أدركت النخب الفلسطينية عُقم مسار أوسلو، وعاد النقاش مجددًا حول فكرة الدولة الواحدة على فلسطين كلها. واتخذت هذه النقاشات مساراتٍ متعدّدة مختلفة ومتباينة في أهدافها ومراميها؛ ثمة من انطلق من فكرة ضرورة إيجاد حل أخلاقي لملايين اليهود الذين يقطنون الآن في فلسطين، وهو يسعى بذلك إلى كسب بعضهم لدائرة النضال الفلسطيني، وعدم دفعهم باتجاه اليمين، لكنه يفترض، في الوقت ذاته، أن على الضحية أن تضع أمام الجلاد حلًا، ويخلط هنا في أولويات النضال الفلسطيني في هذه المرحلة التي تستدعي أولًا التصدي للجلاد. هناك من غرق حتى أذنيه في مفاوضات أوسلو، لكنه صار يلوّح بالدولة الواحدة فزّاعة لإقناع المعسكر اليميني الصهيوني بحل الدولتين، حتى لا تفقد الدولة الصهيونية هويتها اليهودية، عندما تغرق في البحر العربي، متناسيًا أن الفكرة الصهيونية قائمةٌ على القوة والطرد والتهجير والإحلال، وليس على التعايش. وفي هذا الاتجاه، تبرّر أصوات نشازٌ الضم والإلحاق وبقاء المستوطنات، ما دمنا سنصبح دولةً واحدة، من حق كل مواطنيها العيش في أي بقعةٍ فيها، وهو نمط من الغباء السياسي الذي يتجاهل بديهيات الفكر الصهيوني، وأن هذه الدولة، بهذه الصيغة، لن تكون سوى دولة صهيونية يهودية، تقوم على مبدأ الأبارتايد والتمييز العنصري وطرد العرب وتهجيرهم. حتى يستقيم طرح الدولة الواحدة على فلسطين كلها، وحتى لا تتكرّر تجربة البرنامج المرحلي السابقة التي بدأت جزءا من عملية تحرير كاملة، ذات سلطة مقاتلة، ثم سارت في الاتجاه
المعروف، وحتى لا تكون مجرد إلحاقٍ بدولة صهيونية عنصرية، فإن ثمّة شروطا يجب التأكيد عليها، وأولها أن الدولة الواحدة لا يمكن أن تتحقق قبل تفكيك كامل للبنية الصهيونية في فلسطين، فهي نقيض للصهيونية، وليست رديفًا لها، وإنها في صلب تكوينها تتمسّك بالرواية الفلسطينية العربية في مقابل الرواية الصهيونية، ولا ترى أي إمكانٍ للتوفيق بين الروايتين، وهي جزءٌ من مشروع وطني فلسطيني، تتم إعادة بنائه، ويقوم على أسس ثابتة ومتكاملة غير منفصلة، منها النضال من أجل دحر الاحتلال عن المناطق المحتلة في 1967، وتفكيك المستوطنات، وتشجيع الهبّات الشعبية بجميع أشكالها، والتمسّك بحق العودة حقا فرديا وجماعيا للشعب الفلسطيني كله، ودعم المقاومة الفلسطينية بأشكالها كلها، والنضال من أجل رفع الحصار عن قطاع غزة، ومكافحة نظام الأبارتايد والتمييز العنصري، باعتباره نظامًا يمارس هذا التمييز ضد جميع فئات الشعب الفلسطيني، عبر الاحتلال العسكري والحصار والعقوبات، وطرد الفلسطينيين وتهجيرهم ومنعهم من العودة إلى بلادهم، وممارسة كل أشكال التمييز ضد من هم تحت الاحتلال في فلسطين كلها، بما في ذلك النضال من من أجل المواطنة والمساواة، والمحافظة على الهوية الفلسطينية، والحقوق السياسية الجماعية لفلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948. هذا المشروع الوطني الفلسطيني كل متكامل، وهو مسؤولية الشعب العربي الفلسطيني في جميع أماكن وجوده، وليست مشروعًا لجزءٍ منه فحسب، واستراتيجيته نابعة من التمسّك بروايتنا التاريخية في مقابل الرواية الصهيونية، وهما روايتان لا تقبلان أنصاف الحلول.
وسوم: العدد 830