شغب الملاعب، وقد تلعب تونس والجزائر .. رب سلم .. رب سلم

ويعرف جمهور الكرة حول العالم بأنه جمهور عدواني ، متوفز يكثر فيه البلطجية والشبيحة والنزاعون للشر والتحدي ، وأنا أتكلم عن أخلاق وليس عن سياسة . وألحظ شدة اهتمام الأمن البريطاني هنا عند لعب مباريات بين فرق على مستوى من التحدي . وعندما يمر بي الباص أمام مجموعات من هذا الفريق أو ذاك وهم يحمّون في الشوارع لدخول مباراة ، أغض بصري لأني أرى عيونا يخرج منها شرر يجب أن يحذر ويخاف . هذا والمجتمع البريطاني من أرقى المجتمعات الأوربية في تربيته وسلوكه العام .

في بريطانية أيام المباريات الحافلة ، وأنا لا أعرف ليفربول من ريال مدريد ، تنزل فرق الشرطة الراجلة والخيالة والمحمولة في السيارات ، وتستعد سيارات الإسعاف ، ويتم حجز طرق، وتغيير مسارات الشوارع ويظل الأمن متوفزا حتى تنتهي المباراة وينفض المشجعون الذين هم موضع الحذر والخوف . وخطة رجال الأمن أنهم يخافون منهم ويخافون عليهم .

" شغب الملاعب "

أصبح عنوانا لجريمة إن شئت قلت كروية أو شئت قلت اجتماعية، ولكنه أصبح واقعا معاشا وخوفا مشروعا ، وهي جريمة تتصاعد وتزداد عمقا واتساعا ، حتى تكاد تقول لقد أصبحت عصية على الاحتواء .سببها الأساس هو أن بعض الناس يذهبون للملاعب ليربحوا ولن يقبلوا بالخسارة بأي حال ..

في أصل مشروعية المباريات أنها تسعى لإيجاد طرق حميدة للتعبير عن مشاعر حب الفوز في نفوس البشر . ولكن كيف يفعل مسير اللعبة وهو يرى شحنات الأدرينالين تزداد في مجرى الدم من الإنسان بطريقة لا يمكن احتوائها ؟!

بدا لي بل يبدو لي أن الجمهور الكروي في العالم وعالمنا جزء منه يجب أن يكون أكثر وعيا ورقيا وتهذيبا وضبطا وانضباطا . وهي مهمة خطيرة تناط بمرجعيات علمية وثقافية واجتماعية يجدر بها أن تقوم بمهمتها بطريقة أفضل .

بعد أيام سيلعب قطران عربيان - الجزائر وتونس - في تصفيات ما يسمى أمم أفريقية ، أتذكر ماذا جرى يوم لعبت الجزائر ومصر وكيف تحولت " اللعبة " إلى معركة حقيقية بين الشعبين وبين الدولتين .

منذ عشرة أيام هنا في لندن كنت في الباص وإذا بالسائق يطالبنا بالمغادرة لأن الطريق مقطوع في منطقة ويمبلي من أجل مباراة . تذكرت ما يكتبه البعض مستنكرا لأن مصليا مستعجلا ركن سيارته بطريقة خاطئة ليلحق بركعتي الصلاة ، لا أدافع عن الخطأ بل أذكر كم تكون تعليقات البعض حادة ومتشنجة وساخرة من المسجد والصلاة والمصلين ، وكيف أنهم يقفون متبتلين أمام تغيير خارطة الطرق في مدينة مثل لندن حتى سيارات الإسعاف تغير مساراتها وإنما أضرب لندن التي أعيش فيها مثلا ..

أعود إلى لعبة تونس والجزائر التي ربما تقع خلال أيام فأقول : رب سلم ..رب سلم ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 833