لماذا تسجّل دول عربية موقفا سلبيا من معاناة الأويغور؟

أبدت 37 دولة بينها عربية وإسلامية دعمها لإجراءات الصين ضد الأويغور- جيتي

أثار توجيه الصين الشكر لدول عربية من بينها الإمارات على دعمها الحملة الأمنية التي تنفذها السلطات ضد مسلمي الأويغور، أسئلة حول دوافع تلك الدول من وراء هذا الدعم، ولماذا لم تؤثر الصمت "كأضعف الإيمان"، بدل إبداء الدعم والتأييد للإجراءات الصينية، خاصة مع تأكيد تقارير دولية وأممية أن المسلمين في هذا الإقليم يواجهون انتهاكات حقوقية جسيمة.

ولعل الإمارات ليست الدولة العربية الوحيدة التي دعمت هذه الإجراءات، لكنها الوحيدة التي تلقت شكرا صريحا على لسان الرئيس الصيني شخصيا.

وخلال لقائه ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في بكين، شكر الرئيس الصيني للإمارات "دعمها القيّم" للحملة في تشينغ يانغ، ودعا إلى تعزيز التعاون بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب، بحسب ما أوردت محطة "سي سي تي في" الصينية الرسمية.

من جهته أبدى ابن زايد استعداد بلاده لـ"توجيه ضربة مشتركة للقوى الإرهابية المتطرّفة" إلى جانب الصين بما في ذلك "حركة تركستان الشرقية الإسلامية" التي تتّهمها بكين بتحريض الأويغور على الانفصال.

وتأتي تصريحات ولي عهد أبوظبي في وقت تسعى فيه بكين لحشد مزيد من الدعم الدولي لسياساتها المثيرة للجدل في شمال غرب البلاد.

وتعرّضت بكين لضغوط دولية على خلفية احتجازها ما يصل إلى مليون شخص غالبيتهم من المسلمين الأويغور في معسكرات لإعادة تأهيلهم تحت شعار مكافحة الإرهاب، إلا أنّ الدول المسلمة امتنعت بشكل عام عن توجيه الانتقادات للصين.

وبعدما نفت بادئ الأمر وجود معسكرات لإعادة التأهيل، أطلقت الصين حملة "علاقات عامة" لاحتواء الانتقادات الدولية لما تسميها بكين "مراكز تعليم مهني".

وحقّقت بكين حتى الآن نجاحات عدة في هذا الإطار. وفي وقت سابق من الشهر الحالي وجّه سفراء 37 دولة بينها السعودية والإمارات رسالة إلى الأمم المتحدة أيّدوا فيها سياسة الصين تجاه الأويغور وغيرهم من الأقليات في الإقليم المذكور.

وجاء دعم تلك الدول عقب رسالة وقعتها 22 دولة عضو بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تنتقد معاملة الصين للأويغور وغيرهم من الأقليات بالإقليم، وتدعو لوقف سياسة الاحتجاز الجماعي التي تنتهجها ضدهم.

رئيس حركة الجيل الجديد لـ"تركستان الشرقية" أبدى أسفه من مواقف بعض الدول العربية تجاه معاناة الأويغور في الإقليم الذي تطلق عليه الصين "تشينغ يانغ".

وقال عبد السلام تكليماكان في حديث لـ"عربي21"، كنا نتوقع دعما من "إخوتنا" العرب والمسلمين ضد حرب الإبادة التي تمارس ضدنا من قبل "السلطات الشيوعية" في الصين، لكن ذلك لم يحدث، بل على العكس، فقد لاقت معاناتنا تنكرا ودعما لإجراءات الصين ضدنا من قبل الدول العربية.

وعزى تكليماكان أسباب الدعم العربي لهذه الحملة، إلى عدم وجود معلومات كافية لدى الدول العربية حول حقيقة ما تمارسه السلطات الصينية ضد هذه الأقلية، فضلا عن تبني تلك الدول للرواية الصينية المضللة والمحرفة حول الأوضاع في هذا الإقليم.

ولفت الناشط الأويغوري إلى استمرار حملات القمع والتنكيل من قبل السلطات بحق أهالي إقليم تشينغ يانغ، في "مسعى لمحو الهوية الإسلامية والقومية هناك"، واصفا ما يجري بأنه "تطهير عرقي".

وشدد على أن الإحصائيات تشير إلى أن أكثر من ثلاثة ملايين أويغوري من بينهم أطفال، رهن الاعتقال لدى السلطات، وهم محرومون من الحق في التعبير والعبادة، ومن أبسط الحقوق الإنسانية، محذرا من أن تؤدي هذه الإجراءات إلى محو الهوية الإسلامية في هذا الإقليم بفعل صرامة وقسوة الإجراءات.

صحيفة "واشنطن بوست" شجبت في افتتاحيتها الاثنين، دعم دول مسلمة دافعت عن الصين في حرب الإبادة التي تمارسها ضد مسلمي الإيغور، متسائلة: "ألا تخجل هذه الدول من نفسها؟".

وتشير الافتتاحية، التي ترجمتها "عربي21"، إلى جلسة في الأمم المتحدة عقدها مجلس حقوق الإنسان هذا الشهر، حيث وقع سفراء 22 دولة غربية على رسالة مشتركة، عبروا فيها عن قلقهم من حملة الإبادة الثقافية والاعتقالات الجماعية التي تقوم بها الصين في منطقة تشينغ يانغ، ودعوها لفتح الباب أمام "المراقبين الدوليين المستقلين".

وتعلق الصحيفة قائلة إنها "كانت لفتة فاترة في الجهود الدولية التي توصف بالضعيفة للرد على ما تقوم به بكين من حملة إبادة ثقافية ضد المسلمين الإيغور وبقية الأقليات المسلمة". 

وترى الافتتاحية أن "المدهش هو ما حدث بعد ذلك، فبعد أربعة أيام وقعت دول جندتها بكين على رسالة خاصة بها، وأرسلتها إلى مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وعليها توقيع 37 سفيرا، وفي الرسالة صادقوا على حملة أطلقت عليها الصين حملة نزع التشدد ومحاربة الإرهاب، وزعم الموقعون أن (حقوق الإنسان الأساسية مضمونة للجماعات الإثنية كلها)، وضمت قائمة الموقعين على الرسالة الدول المارقة المعروفة، مثل كوبا وروسيا وفنزويلا وكوريا الشمالية، بالإضافة إلى عدد من الحكومات المسلمة، موافقة على ما يوصف بأنه أكبر هجوم على الإسلام في العصر الحديث". 

وتجد الصحيفة أن "هذه الرسالة تمثل خنوعا مثيرا للخجل لباكستان والسعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والجزائر وعدد آخر من الدول ذات الغالبية المسلمة، التي تقدم نفسها عادة على أنها مدافعة عن الإسلام، خاصة عندما يتعلق الأمر بمواجهة إسرائيل، وتمثل الرسالة نبوءة لما قد يحدث لو تحققت طموحات نظام شي جينبنغ العالمية: عالم تخضع فيه معظم الدول لإملاءات الصين وتصادق على جرائمها". 

وتقول الافتتاحية إن "الانتهاكات التي تحدث في تشنجيانغ وعلى قاعدة تاريخية واسعة واضحة ولا جدال فيها، وبحسب تقدير من الخارج فإن هناك أكثر من مليون إيغوري وغيرهم من المسلمين الذين ينتمون لأقلية الأتراك معتقلون في معسكرات اعتقال، حيث يجبرون على تعلم اللغة الصينية، والتخلي عن لغاتهم وممارساتهم الدينية، فيما يتم فصل الأطفال عن آبائهم وأمهاتهم المعتقلين، ويوضعون في معسكرات خاصة لغسل أدمغتهم، أما بقية المسلمين، البالغ عددهم 13 مليون نسمة في المنطقة التي تعدل مساحتها مساحة ألمانيا، فهم عرضة لنظام مراقبة مشدد يقوم به مليون عميل ونظام تكنولوجي متقدم".

وتجد الصحيفة أن "مصادقة الدول المسلمة على هذا السجل من الانتهاكات هي شهادة لقدرة الصين على استخدام نفوذها الاقتصادي، ومن بين هذه الدول، مثل باكستان وطاجكستان، ما تستفيد من خطة الصين الطموحة الحزام والطريق، وهناك من تعبر عن طموحها لتستفيد في المستقبل، أما السعودية، التي قال سفيرها خطأ إن الرسالة التي وقع عليها نيابة عن بلاده، تتحدث فقط عن مشاريع التنمية الصينية، فهي يائسة من الاستثمارات الأجنبية". 

وتلفت الافتتاحية إلى أن "قلة من الدول المسلمة قاومت الضغوط الصينية ولم توقع عليها، مثل إندونيسيا وماليزيا وتركيا، لكن لم تتسم أي منها بالجرأة والشجاعة لتوقع على رسالة الدول الغربية، وربما كانت في موقع أقوى لو كانت الولايات المتحدة واضحة في شجبها لحملة الإبادة ضد الإويغور، إلا أن إدارة دونالد ترامب لم تكن متناسقة في مواقفها، وفي يوم الخميس عبر وزير الخارجية مايك بومبيو عن غضبه من محاولات الصين منع الدول من المشاركة في مؤتمر عن الحرية الدينية استضافه بومبيو، ووصف معاملة الصين مسلمي الإيغور بأنها (لطخة القرن)". 

وسوم: العدد 835