من ضرب حقول النفط السعودية؟
هل ما يدعيه الحوثيون من أنهم وجهوا ضربة أليمة للسعودية عبر سبع طائرات مسيرة قامت بضرب أكبر مصافي النفط في العالم، وأوقفت ضخ أكثر من إنتاج المملكة من النفط، أم أن الحوثيين هم غطاء لما قامت به إيران حقيقة من ضرب لهذه الحقول، في وقت بدت فيه المنطقة وكأنها لا تحتاج لأكثر من عود ثقاب واحد لتشتعل بالكامل، فقامت طهران بتنفيذ هذه الضربة الموجعة؛ وأعلنت مباشرة أن لا علاقة لها بهذه الضربة، في حين أعلن الحوثيون أنهم هم من نفذ الضربة المباغتة التي صدقها السعوديون وقالوا إنها من فعل الإرهابيين؛ ويقصدون بذلك الحوثيين، في حين صرحت واشنطن على لسان الرئيس ترامب أن من قام بهذه الضربة هم الإيرانيون، فلماذا اتهم ترامب إيران واتهمت السعودية الحوثيين؟
هذا الاختلاف بين الحليفين الاستراتيجيين حول من نفذ هذه العملية هو مؤشر على أن السعودية تخشى الصدام مع إيران، ولذلك تتهم الحوثيين، أما ترامب من جهته فهو يعتمد على أقماره الصناعية ومركباته الفضائية ومخابراته التي لا تنام عينها لا ليل ولا نهار، ويعرف امكانيات الحوثيين العسكرية، إذ لا يعقل أن يسيّر الحوثيين سبع طائرات مسيرة دفعة واحدة مزودة بالمتفجرات الحارقة؛ ويسيرونها لمسافة نحو ألف كيلو متر؛ لتقوم بمهمة تفجير أكبر مصفاة للنفط في العالم.
وهنا يتساءل المرء: أين المضادات الأرضية وصواريخ الباتريوت المزروعة في كل المواقع الحساسة التي يُخشى ضربها من قبل الأعداء سواء كانوا حوثيين أم إيرانيين؟
وهذه الحادثة تذكرنا بحرب حزيران التي شنتها الدولة العبرية على ثلاث دول عربية عام 1967 (مصر وسورية والأردن)، حين ضرب الطيران الإسرائيلي كل القواعد الجوية المصرية مرة واحدة؛ وحيّد الطيران المصري، وتبين فيما بعد أن الطيارين المصريين أمضوا ليلتهم في السهر والسمر والمجون على أنغام الموسيقى والطرب وهز البطن، فهل حدث نفس الشيء بالنسبة لرجال الدفاع الجوي السعودي، الله أعلم، قد تُظهر الأيام القابلة إن كان حدث ذلك، ونحن لا نتمناه ولا نرجوه.
وإذا ما صدقنا الرواية الحوثية فهذا يؤشر إلى أبعاد أخرى، تبعث برسائل إقليمية ودولية تجاوزت الحرب في اليمن.
رواية الحوثيين كما قدموها لوسائل الإعلام تقول: إن الهجوم هو الأول من نوعه وحجمه وأنهم استخدموا فيه 7 طائرات مسيرة دفعة واحدة على أهداف عدة واستهدف محطتي الضخ البترولي التابعتين لشركة "أرامكو" رقم 8 و9، اللتين تقومان بدعم انسياب الزيت والغاز عبر الخطوط الناقلة للغاز والنفط من المنطقة الشرقية عبر محافظتي الدوادمي وعفيف، وتقعان على بُعد 220 كيلومترًا و380 كيلومترًا غرب العاصمة السعودية الرياض.
ويبلغ طول خط الأنابيب نحو 1200 كيلومترًا، ويمرّ عبره 5 ملايين برميل نفط يوميًا على الأقل من المنطقة الشرقية الغنية بالخام إلى المنطقة الغربية على ساحل البحر الأحمر. وتقع محطة ضخ "أرامكو" السعودية على بُعد أكثر من 800 كيلومتر من أقرب نقطة في صعدة شمالي اليمن على الحدود مع مدينة نجران السعودية، كما تقع المحطة على مسافة نحو 360 كيلومترًا من الرياض، وعلى مسافة 500 كيلومتر من ينبع على ساحل البحر الأحمر.
صحيح أن الحوثيين سبق وأن قاموا باستخدام الطائرات المسيَّرة والصواريخ البالستية ضد أهداف داخل الأراضي السعودية القريبة من الحدود اليمنية السعودية، فإن قدرتهم على توجيه ضربات دقيقة لمنشآت حيوية بعيدة جدًا عن الجبهات الساخنة بطائرات مسيرة؛ وإلحاق ضرر بالاقتصاد السعودي كأنه ضرب من الخيال، يجعلنا نتردد كثيراً في قبول هذه الرواية أو تصديقها.
طبعاً كالعادة فإن الجامعة العربية اعتبرت الهجوم "تهديدًا خطيرًا لأمن المنطقة والاقتصاد العالمي"، وهذا أقصى ما تستطيع قوله، ووصفت خارجية البحرين الهجوم بـ"الإرهابي"، أمَّا الأردن فقد أكّد "وقوفه إلى جانب السعودية في مواجهة أي تهديد"، في حين أكدت مصر "تضامنها مع الرياض في التصدي لمحاولات النيل من أمنها واستقرارها"، كذلك أدانت الإمارات "الهجوم واعتبرته دليلاً جديدًا على التوجهات العدائية للحوثيين بهدف تقويض الأمن والاستقرار في المنطقة".
أما الحليف الاستراتيجي ترامب فقد أرغد وأزبد وتوعد بالرد، ولكن على طريقته المعهودة: إذا ما تجاوزت طهران الخطوط الحمراء التي وضعتها واشنطن، وضرب حقول النفط والمصافي النفطية السعودية ليست من ضمن الخطوط الحمر الترامبية، فواشنطن لم تعد بحاجة إلى هذا النفط.
أخيراً نتمنى على السعودية أن تستفيد من هذه الضربة وتراجع حساباتها وأفعالها سواء على المستوى الداخلي أو المستوى الخارجي، وتقارب وتباعد بين من قربته وجعلته صديقا ومن أبعدته وجعلته عدوا، فلا يزال في الوقت فسحة لتصحيح المسار فأمر السعودية وأمنها وسلامتها يهمنا.
وسوم: العدد 842