أدب السجون المغربية كنت هناك من قبل
مال علي وبصوت مرتعش قال لي
{ انكش من الذاكرة شيئا مر بك وكان أمرّ من قهوتك السوداء هاته}
تأملته لحظة ثم ارتشفت بقية ما في قدح القهوة وذهبت بي الذاكرة بعيدا الى ان وصلت العتمة واوغلت في غابة تمارة ثم اقتحمت المعتقل السري.... كان صامتا كعادته .. انه سيد الصمت والصراخ
{{لن يكون أسوء ما في تلك العتمة.. أشد بؤسا
من لحظة يفقد فيها الإنسان شهيته...للأشياء}}
هل تخيلت لحظة كيف يكون ذلك الإنسان المحكوم بالاختطاف وهو بين أربعة جدرات بائسة...
ببساطة لن تكون إنسانا.. ستترك الانسان خارج تلك العتمة { معتقل تمارة السري لايقبل الانسان بين جوانحه}
ببساطة لأنك هناك ستتحول من إنسان إلى مجرد لقمة سائغة.. بل ستتحول إلى طعام ... ربما لفطيرة تأكل وإلى مشروب يحتسى
سيكون دمك هناك هذرا ...
هناك ستعلم سر التناول 1 ستعرفه بلون المررات كلها
انت الفطيرة والجلاد هو الأكال ...
سرحت بخيالي المتأرجح بين العتمة والمعتقل لعلّي أصل إلى صورة دقيقة لحظة أتحوّل فيها لفطيرة محترقة وكابيلا يلتهمني وهو يسب أمهات كل مخلوقات العالم...
ستتخيل نفسك وأنت في ضفة نهر يجري بالدم وكل العالم في الضفة الأخرى وبينكما تقف تمارة المعتقل السري كأنما هي حمض أكاّل لكل شيء..
حاول ان تتخيل وادي الدماء والأشلاء
كنت هناك من قبل حاولت بعد زمن سحيق من خروجي من وادي الدم والألم أن استعيد تلك اللحظات الموغلة في البؤس لعلها رغبة دفينة في جلد الذات أو البحث عن لحظة الإستشفاء من تمارة المعتقل السري وأخواتها
هناك تضيع كل مساحات الأمل.. لأن لحظاتها الهائلة لاتحكمها قوانين الطبيعة ...
قمت في جوف الليل بعينين زائغتين وذهن مشتت.. كان الأرق يجتاحني كهجوم الحرس في شتاء قارس على زنزاناتنا الانفرادية...
كان داخلي شيء ما لم أعرف كنهه لكنني أصررت على أن أغلق الضوء لتسبح الغرفة الضيقة في الظلام الدامس ثم قمت بوضع شيفون نتن على عيني كان جوربا قديما ثم قيّدت يداي وبخفة جعلتهما وراء ظهري وزحفت في بؤس إلى الركن القصي وتكومت ككيس من التبن ظللت لساعات طويلة هكذا كان مخيالي يستعيد اللحظات يقف عند الزنزانة المنفردة التحت أرضية كانت في الطابق السفلي اذكرها جيدا
تلك الأيام البئيسة لاتنسى ظللت ثاو هكذا في ظلمة القبو وظلمة كل شيء كانت القيود الحديدية خبيثة كخبث المكان ... كلما تحركت زادت ضغطا للمعصمين حتى كدت أن اصرخ من الوجع...
لم أعد أتحرك في مكاني الحركة تعني أن تتمزق يديّ من شدة ضغط {المينوط... }2 المكان قذر والصراخ كان يقتلني الصراخ كان قاتلا مأجورا انها صرخات العابرين من تمارة
وعبد الحق يصيح ومرات يكبر بصوت قوي اسمع الضرب بعنف وحقد وغل شديدين
ظلت كل حواسي مستيقظة متحفزة انتظر دوري ثم فتح الباب
ولج كابيلا المنفردة وهو يسب ويلعن كان أشبه ما يكون بالمارد الأسود مع شعر أجعد كانت له صلعة تتقدّمها جبهة بارزة مميّزة وعيناه تقدحان شررا لا ادري لم كان في مخيالي دائما بسحنة كابيلا... 3 بدينا بكرش عظيمة
ويدين غليظتين هكذا بدا لي كوجه الشر عندما انتزع الشيفون من رأسي لحظتها ظللت أنظر اليه صامتا
{{ شوف في يا وجه الويل}}
هكذا قال ثم اتجه نحو البوابة الحديدية {{ البلاندي}}4
{{ هيا اسحبوه..}}
كان يلبس شورت وفانيلة 5بيضاء والعرق يتصبب من جبينه
هناك كانت مهمته شاقة جدا انها اهم مهمة في المعتقل السري
ان تكون كبير الجلادين والحجاج
ارتموا على جسدي النحيل
كانوا اثنين.... لم اجسر على النظر اليهما
وسرعان ما أعادوا حصار عيني بشيفونهم النتن اللعين
مضى الموكب الصامت خطوات ثم سمعت كبير الحجاج 6 يصيح
{{ أيها الحمير ماشي هذا..}}
ثم اردف{{ اعيدوه...}}
عندما اغلقوا المنفردة ومضوا يتلاومون بينهم تنفست الصعداء ثم سكنت ملابسي
{{ لقد نجوت }}
كانت لذة النجاة تلك اللحظة هائلة جدا
اعدت تفاصيل ذلك اليوم وانا اجلس القرفصاء و ارتجف من البرد
عندما عيل صبري قمت من مكان وانا ألعن الجلادين بكل لغات العالم
°°°°°°°°°°°
1 سر التناول هو من اسرار الكنيسة السبع وهو يقوم على طقوس كنسية يعد فيها الكاهن فطيرا يقدسه بزعمه ليصير جسد الإله ثم يعد مشروبا يقدسه فيصير في حسهم دم الإله ويقدم في طقوس خاصة ويسمى سر الأفخارستيا أو سر التناول أو القربان المقدس
2 كلمة المينوط عامية محرفة ومنحوتة من كلمة فرنسية وتعني الاصفاد الحديدية
3 جوزيف كابيلا كابنغي، هو سياسي كونغولي، كان شديد الشبه بالجلاد
4 كلمة عامية محرفة من الفرنسية وتعني الباب الحديدي الصلب
5 تعني الملابس التحتية المصنوعة من القطن و تسمى بالعربية قميص قطني
يوجد منه الشتوي والصيفي
6 هم درجات الحاج الصغير وكبير الحجاج ثم كبير كبار الحجاج المحققون ورؤساء المعتقل
وسوم: العدد 853