مغالطة العلمانيين الذين يحتجون بفتاوى الفقهاء المسلمين لإباحة الإجهاض
يركب بعض العلمانيين المتعالمين عندنا آراء الفقهاء في إباحة الإجهاض ، ويسردون فتاويهم لإفحام غيرهم بمن فيهم علماء الدين المعاصرين ، ويرون أنهم بذلك يحرجونهم لأنهم حسب زعمهم لا يأخذون بفتوى إباحة الإجهاض كما فعل السلف على حد زعمهم . وهذه مغالطة صارخة منهم ذلك أن فتوى الفقهاء بإباحة الإجهاض لا يمكن أن تطبق خارج إطار زواج شرعي ، أما أن تطبق في إطار سفاح كما يريد العلمانيون ،فهو أمر لا يستقيم ولا يمكن القبول به، لأن العلة في إباحة الإجهاض في إطار علاقة زواج شرعي ليست هي العلة في إباحته في إطار علاقة سفاح غير شرعية ، ذلك أن الإجهاض في هذه الأخيرة إنما يكون القصد منه التخلص مما ينتج عن علاقة السفاح بينما في علاقة الزواج الشرعي لا يكون التفكير في الإجهاض إلا لعلة تتهدد المرأة لأنها لا يمكن أن تتستر على حمل مشروع ، كما أنها لا يمكن أن تتخلص منه كما تتخلص منه المسافحة التي تخشى العار والذم والإدانة في مجتمع يدين السفاح .
وقد يكون الحمل فاسدا عند المتزوجة والمسافحة على حد سواء ، ويكون الإجهاض حينئذ ضرورة طبية في الحالتين لدفع خطر يتهددهما معا، ولكنه إذا كان للمتزوجة عذر فلا عذر للمسافحة لأن الأولى تهددها خطر في زواج شرعه الله بينما عرضت المسافحة نفسها للخطر بإقدامها على السفاح غير المشروع . ولئن كان حمل المتزوجة فاسد ، فهو ابلاء من الله عز وجل ، أما حمل المسافحة الفاسد فعقاب منه سبحانه وتعالى لمخافتها أمره بعدم الاقتراب من فاحشة الزنا التي ساءت سبيلا في شرع الله تعالى .
وبناء على هذا يعتبر اعتماد العلمانيين على فتاوى الفقهاء التي تجيز الإجهاض بما له من قيود هو من قبيل بناء باطل على باطل علما بأنه ما بني على باطل فهو فاطل ، ولما كان السفاح محرم ، فإجهاض ما ينتج عنه يأخذ حكمه في التحريم لأن النية من ورائه إخفاء جريمة قتل عمد بجريمة سفاح متعمد .
ومن هرطقة العلمانيين، وهي الإتيان بالبدع المخالفة لأصول الدين أنه إذا صدرت فتوى برفع التجريم عن الأجهاض في حالة السفاح قد يحد ذلك من الوقوع فيه ، وهذا لا يقول به من يحكم كلامه منطق ، ذلك أن السفاح شائع، وهو يجرم فما باله إذا لم يجرم. والفتوى بجواز إجهاض السفاح هو إدخاله في حكم الإباحة مع أن السفاح يدخل في حكم المحرم في شرع الله عز وجل ، ولا مبرر لاستعمال قاعدة :" الأصل في الأشياء الإباحة " . وهذا ما لا يخوض فيه العلمانيون كما يخوضون في سرد فتاوى الفقهاء في الإجهاض ليحاجوا من يعترض على إجهاض السفاح .
ومما قال أحدهم أنه يجب رفع التجريم عن هذا النوع من الإجرام كما رفع عن الردة ،علما بأنه لا أحد في بلادنا يتجرأ على إعلان ردته بل المرتد يلجأ إلى النفاق للتمويه على ردته ويدعي أنه مسلم ، ويستشهد بالقرآن الكريم ، وبالسنة النبوية الشريفة إلا أنه لا يخفي إنكاره لأحكام الشرع الإسلامي المنصوص عليها في الكتاب والسنة ، وهو ما كان يعد ردة في كل العصور الإسلامية . وباستثناء نفاق من يخفون الردة ، ويظهرون الإسلام، ظهرت طائفة أو لنقل بعض الأشخاص الذين أعلنوا تنصرهم بعد إسلامهم ، وهذه ردة لا غبارعليها .
وعلى افتراض أن أهل الإفتاء قد أفتوا بعدم معاقبة المرتد أو قتله ، فإنه لا يمكن اعتبار فتواهم نسخا لحكم وارد في شرع الله عز وجل ، ولا يجرؤ من يفتون على ذلك ، فقد لا يتيسر إقامة شرع الله عز وجل في الردة بسبب ظرف من الظروف ، ولكن ذلك الظرف لا يمكن أن يعطل أو يلغي حكم الشرع الذي يظل قائما في كل الظروف .
وليس من المنطق في شيء أن يتذرع بوجود محرم لإضفاء الشرعية على محرم مثله يراد إشاعته في الناس في بلد يدين بدين الإسلام .
وأخيرا نقول إن من قواعد اللعبة كما يقال لمن أراد النقاش في أمر فيه حكم شرعي أن ينطلق من قناعة مفادها أن شرع الله عز وجل منزه عن العبث ، أما إذا كانت القناعة غير هذا ، فلا يحق لمن يتبناها أن يناقش خارج الحلبة تماما كما أنه لا يمكن لملاكم أن يلاكم خارج الحلبة ، فإذا فعل فقد خرج عن قواعد اللعبة، ولا يمكن أن يخضع لها . والتذرع بفتاوى الفقهاء بخصوص إجهاض السفاح من هذا القبيل ، فهلا تنبه العلمانيون إلى ما يصدر عنهم مما يخالف المنطق ،وينسف مقولاتهم المتهافتة في أحكام الشرع الإسلامي الواضحة وضوح شمس الضحى .
وسوم: العدد 854