الإعلام بين مسؤولية إيصال الحقيقة وبين مسؤولية مراعاة الاستقرار النفسي للناس في ظرف جائحة كورونا
يمر الإعلام في ظرف جائحة كورونا الحالي بوضع صعب بسبب مسؤوليته على إيصال حقيقتها للناس لكن ذلك لا يمكن أن يعفيه من مراعاة استقرارهم النفسي . ومع الحجر المنزلي لمنع انتشار الوباء القاتل ، تبقى وسائل الإعلام المرئية والرقمية هي نافذة الناس على ما يحدث في المعمور فيما يتعلق بهذه الجائحة.
وعندما ينتقل الإنسان بين مختلف المحطات الإعلامية على اختلاف أنواعها، يجد نفسه أمام كم هائل من المعلومات التي لا تبشر بخير ، وهذه حقيقة لا مفر منها لكنها تثير القلق والخوف بل الهلع خصوصا لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية ، ويخضعون بسبب ذلك لعلاج الطب النفسي ، أو يعانون من أمراض مزمنة تؤثر على مناعتهم التي يقول عنها الأطباء أنها في حال ضعفها أمام فيروس كورنا يكون وضع أصحابها صعبا مع وقوع الإصابة بفيروس كورونا .
وهذا الذي يجعل مهمة الإعلام صعبة إذ كيف يستطيع أن يوفق بين تزويد الناس بالحقيقة مهما كانت ، وبين عدم تأثيرها السلبي عليهم ؟
ومعلوم أن الخوف كما يقول الأطباء يعتبر عاملا مؤثرا في جهاز المناعة لذى الإنسان ،ذلك أنه لحظة تعرضه لما يثير الخوف في نفسه ، يحدث في جسمه اضطراب في جهاز مناعته ، فيصيّره ضعيفا ، ويكون حجم هذا الاضطراب رهينا بمدة الخوف ، فلكما امتدت مدته ازداد ضعف جهاز المناعة الذي يمكنه في حال قوته مقاومة ما يهدد الجسم من أوبئة كوباء كورونا وغيره .
وإذا كان الإعلام ينقل على مدار الساعة أخبار الإصابات بالفيروس ، وأخبار الوفيات المترتبة عنه ، فإن ذلك يؤثر في نفسية من يتابع هذه الأخبار بإدمان . ومعلوم أن الإنسان لا يتابع أخبار الجائحة في بلده فقط بل يتابعها أيضا في مختلف أقطار العالم ، ويقوم بإجراء مقارنات بين ما يحدث في بلده، وما يحدث في بلدان أخرى أصابها الوباء ، وقد يذهب بعيدا في فرضيات من وحي خياله ، وهو بذلك يشن حربا على نفسيته ومن ثم على جهاز مناعته ، ليكون إذا ما أصيب لا قدر الله صيدا سهلا لفيروس كورونا .
ومن أجل التوفيق بين نقل الحقيقة إعلاميا ، والحرص على سلامة مستهلكي المواد الإعلامية المتعلقة بالجائحة ، لابد من خلق توازن بين الأمرين بحيث تتخلل الأخبار عن الجائحة أخبار موازية من شأنها أن تقلل من القلق والخوف والهلع ، وتبعث الأمل والتفاؤل في النفوس الذين يدفعان اليأس والتشاؤم.
وإذا كان هذا واجب الإعلام في كل البلاد التي اكتسحتها الجارحة على اختلاف معتقداتها لمحاربة ما يسببه نشر الأخبار عنها من فوبيا ، بنشر أخبار تؤمل الناس في الشفاء ، وتشجعهم على الثبات والصمود ، فضلا عن دعوتهم للأخذ بكل أسباب الوقاية المتاحة والممكنة ، فإن الإعلام في بلاد الإسلام لا بد أن ينشر أيضا ما يربط المسلمين بدينهم لما فيه من حث على الصبر ، و على التوكل على الله عز وجل ، وانتظار الفرج منه مع الأخذ بأسباب الوقاية والعلاج بطبيعة الحال ،لأن الأمرين معا متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر ، ذلك أن الله عز وجل هو خالق السنن الكونية أو الأسباب والمتحكم فيها ، والتوكل عليه يكون بالأخذ بها لأن هذا الأخير من صميم التوكل عليه سبحانه وتعالى .
وإذا كان الإنسان غير المسلم كالإنسان المسلم كلاهما يأخذ بأسباب التي تقي من الوباء ،أو تعالجه ، فإن هذا الأخير يزيد عنه بالإيمان الراسخ بأن الله عز وجل هو الشافي . وإذا شفي غير المسلم كما يشفى المسلم بالتداوي ، فيبقى الله عز وجل هو الشافي في الحالتين معا في عقيدة المسلم التي لا يخالطها شك في ذلك ، وله من الأدلة على ذلك في كتاب الله عز وجل كالذي حكاه رب العزة جل جلاله عن خليله إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى :
(( قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ))
هذه هي ملة أبينا إبراهيم الخليل عليه السلام الذي جعل كل أمره بيد الله عز وجل هداية ،وطعاما، وشرابا ،وشفاء ، وموتا ،وحياة ، ومغفرة . ولقد ذكر أهل العلم من المفسرين أنه عليه السلام تأدب مع خالقه، فلم ينسب له المرض بل نسبه لنفسه بينما نسب له سبحانه الشفاء فقال : (( وإذا مرضت فهو يشفين )) .
وأخيرا على الإعلام في بلاد الإسلام أن يرفق بالمسلمين وهم يمرون ببلاء كورونا ، فلا يدخر جهدا في الرفع من معنوياتهم خصوصا الذين ينتابهم الهلع موازاة مع نقل الحقيقة عن مساره اليومي بعيدا عن كل ما يوحي بالتهويل من شأنه . ويتعين أيضا حضور الدعاء في أساليب نشر الخبر عن الوباء، فيدعى لمن ماتوا بالرحمة والمغفرة ، وللمرضى بالشفاء، لأن في ذلك ربط للمسلمين بعقيدتهم ، وهو ما يقوي من عزيمتهم وصبرهم ، ومقاومتهم واحتسابهم .
اللهم يا أرحم الراحمين ارفع عنا البلاء الذي حل بنا ، فأنت الذي خلقتنا وتهدينا ، وإذا مرضنا فأنت تشفينا ، وأنت الذي تميتنا وتحيينا ، وأنت الذي نطمع أن تغفر لنا خطايانا يوم الدين آمين ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وسوم: العدد 869