اقتصاد الصمود الفلسطيني في مواجهة التبعية والتحرر من بروتوكول "باريس الاقتصادي"
يواجه الاقتصاد الفلسطيني تحديات كبيرة ومتواصلة ، وقد حدّت هذه التحديات والمعوقات من قدرته على النهوض والتطور وذلك بعد استكمال المشروع الكولونيالي الاستيطاني وقيام " الكيان الصهيوني " وإحكام سيطرته على أرض فلسطين ، حيث عمل هذا الكيان جاهداً وبكل الوسائل وبقوة الاحتلال القائم على الأرض على ربط الاقتصاد الفلسطيني وتبعيته والحاقه باقتصاده ، واستغلال الموارد وتسخيرها لصالحه ، وتجسد ذلك من خلال جملة من الإجراءات والتدابير التي شكلت محور وهدف سياسات الاحتلال في نهب وسلب خيرات ومقدرات وثروات البلاد وسيطرته على الأرض من خلال سياسة المصادرة ، وإقامة المستوطنات والمناطق العسكرية والطرق الالتفافية لتسهيل حركة المستوطنين المستعمرين ، وكذلك السيطرة على الأحواض المائية الجوفية والتحكم بها وسرقتها لتزويد المخططات والمشاريع الاستيطانية والتحكم بالحدود والمعابر ، والهيمنة على التجارة الفلسطينية ، ووضع العراقيل أمام انخراطها في إطار التجارة العربية والدولية على الرغم من كل الاتفاقات التي وقعت مع العديد من الدول العربية ، بالإضافة إلى السيطرة على المناطق والمسماةc التي تقدر مساحتها بـ 60% من مساحة الضفة ، وبالإضافة إلى جزء كبير من قطاع غزة من خلال المنطقة العازلة .
إن الاقتصاد الفلسطيني يعاني من كل أشكال التبعية لهذا الاحتلال سواء المالية من خلال " برتوكول باريس الاقتصادي " الذي يكرس التبعية وتحكمه بالموارد المالية ( الضرائب والمقاصة ) ، والتبعية النقدية من خلال عملة " الشيقل الإسرائيلي " لعدم وجود عملة وطنية ، وتبعية سوق العمل واعتماده الأساسي على المساعدات الخارجية ، وتدني مساهمات الصناعة والزراعة في الناتج المحلي مما ولد اقتصاداً هشاً وضعيفاً ، غير قادر على توفير فرص عمل ، ما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة وضعف قدرته الإنتاجية والميل أكثر نحو تكريس سياسية وثقافة الاستهلاك التي أصبحت أمراً واقعاً لا يمكن الانفكاك من براثته .
في ضوء ما تقدم من تشخيص لواقع الاقتصاد الفلسطيني وسعي الاحتلال المتواصل وبكل الوسائل إلى إعاقة نموه وتطوره ، والقضاء على أي فرصة لإحداث التنمية المطلوبة للنهوض به ، ونحن نرى إطار تعزيز قدرة الاقتصاد على الصمود في وجه التحديات المشار إليها ، وبناء اقتصاد مقاوم ، ويتمتع بمناعة عالية ، يتطلب التركيز على جملة من القضايا التي أعتقد أنها تُسهم في تحريره من التبعية والإلحاق والانفكاك عن " الاقتصاد الإسرائيلي " بصورة تدريجية حسب قرارات المجلسين الوطني والمركزي لـ م.ت.ف ، ووضعها موضع التنفيذ ، ووقف العمل بكل الاتفاقيات وكل ما يتعلق بالمرحلة الانتقالية ، وإعادة النظر في " بروتوكول باريس الاقتصادي " الذي يشكل تقييد للاقتصاد الوطني الفلسطيني ، وقد آن الأوان لتحرر من هذا الاتفاق المجحف الذي لا يخدم سوى " اقتصاد الاحتلال " وفق خطة وطنية شاملة تتضمن العمل على توفير بيئة قانونية قادرة على خلق مناخ يعمل على تشجيع الاستثمار وتحفيزه ودعم المنتج الوطني وتعزيز قدرته التنافسية من حيث السعر والجودة وتوجيه المواطن نحوه ومقاطعة منتجات الاحتلال باعتبار الأراضي الفلسطينية المحتلة ثالث سوق استهلاكي في العالم ، وأهمية ذلك في دعم الاقتصاد وتعزيز قدرته على توليد فرص عمل للحد من نسب البطالة المرتفعة .
ونود التأكيد على أهمية التوجه نحو قطاع الزراعة ، وكذلك الصناعة وقطاع الإنشاءات لأهميته ، وتوفير كل أشكال الدعم لهذه القطاعات ، ورفع نسب المساهمة في الناتج المحلي باعتبارها من المقومات الأساسية لدعم وبناء الاقتصاد ، وكذلك تشجيع القطاع الخاص لأخذ دوره باعتباره قاطرة التنمية ، وأود هنا الإشارة إلى أهمية استكمال الجهود الحثيثة والمتواصلة التي تقوم القيادة الفلسطينية في الانضمام لكل المواثيق والمعاهدات والمنظمات الدولية ومنها " منظمة التجارة العالمية " لأهمية تعزيز المركز القانوني لدولة فلسطين .
وبناء على ما تقدم أعتقد أن بناء اقتصاد الصمود الذي يتسم بالشمولية والاستدامة يتطلب الوقوف وبمسؤولية وطنية عالية من قبل الكل الوطني التوجه نحو الإنتاج والاستثمار في القطاعات الإنتاجية من أجل النهوض بواقع التنمية من خلال سياسة التمكين الاقتصادي والمشاريع الصغيرة والتعاونيات لأهميتها والمناطق الصناعية والاستثمار في المناطق c ذات الأراضي الزراعية الواسعة للإسهام مباشرةً في تعزيز قدرة الاقتصاد على الصمود في وجه التحديات.
وسوم: العدد 876