في سورية الثورة ...
لماذا لم تنتظم لآلئ العلمانيين ، والليبراليين ، والقوميين ، في عقود أو في عناقيد ...؟!
سؤال مازال يفرض نفسه على الساحة السورية منذ مطلع هذه الثورة المباركة .
لماذا استطاع عفلق والبيطار والحوراني وأنطون سعادة وغيرهم ما لم يستطعه الأساتذة الثوريون منذ انطلاقة الثورة حتى اليوم ؟!
وبعد إعلان دمشق الذي صهره حر المِحنة ، لم تشهد الساحة السورية تجمعا موازيا ، أو مكافئا ؛ على قواعد أوسع أو أضيق .
ويبقى في أذهاننا في عصر الثورة عنوان ما سمي بالمنبر الديمقراطي ، الذي سررنا به أياما ، ثم قيل : عنقود وانفرط ..
عند بائع الفاكهة في بيئتنا تخسر حبات العنب المتساقطة من عناقيدها تسعة أعشار قيمتها ، وأحيانا تكون حبات الفراطة مثل حبات الملبس زهوا وجمالا وتماسكا ولكنها ، تظل تسمى فراطة عنب .
للحياة الفردية مباهجها ، وللحياة الجماعية أعباؤها . ولا يشترط أن تكون واسطة العقد حتى تنتظم في العقد .
وكان من جميل ما حفظت :
صدر المجالس حيث حلّ لبيبها
فكن اللبيبَ وأنت صدرُ المجلس
العمل السياسي عمل جماعي . كل التجارب العالمية من حولنا تتحدث عن أحزاب أو كتل تحكم . حتى ماكرون الذي قفز إلى الرئاسة الفرنسية من خلفية " غير " بدأ بتشكيل تجمع جديد .
هذا الانتقاد للحياة العامة السورية ليس سلبيا ، هذا الانتقاد لوضع لبنة في إطارها الوطني الإيجابي .
ولئن ينجح في سورية أي فريق وطني ثوري " غير " خير من أن نخسر جميعا . كما هو واقع الأمر يوما . حتى في الطريق إلى حبل المشنقة يتدافعون .
ونعود للسؤال لماذا ؟!
لماذا لم نشهد في سورية تجمعات أو تكتلات أو أحزابا حقيقية تحمل مشروعات وطنية متكاملة لسورية قومية ؟ أو علمانية ؟أو ليبرالية ؟!
وأول إيجابية لهذا ، أن تشعر هذه الشخصيات الوطنية ، ببعض القوة ، التي تقنعها عن تهوين أمر الآخرين .
ويمتلئ الانسان بالثقة عندما يتكلم بلغة " نحن " وليس بلغة " أنا "
وبدلا من أن يظل الإنسان يندد بدبس غيره الحامض ، ينشغل بالتسويق لقرص عسله : بشهده يا عسل .
ليسمح لي أصدقائي من القوميين والعلمانيين والليبراليين ؛ فإن ضريبة العيش الجماعي ليست سهلة . حتى الأشقاء في البيت الواحد عندما يغيب والدهم يتناقضون . لا أحد يستطيع أن ينفي التناقض عن حياة الناس . " جهنم هي الآخر " كذا يقول جان بول سارتر .
ولكن للخروج من درك النار الأسفل " تحت نير بشار الأسد " ضريبة أن يصبر بَعضُنَا على بعض ولو حتى حين .
في القرآن الكريم ( وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ) آية نستطيع أن ننزلها على كل الأبعاض ؟ وفيه " وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض " فلم تخل حياة جماعية من بغي .
غياب التجمعات المتناظرة ، وإن لم تكن متكافئة ، يقنع أصحاب هذه التجمعات بأنهم أصحاب مشروع ، وأن لهم ببعضهم قوة ، وأن عملهم الأساس الإقناع بمشروعهم ، وليس التنديد بمشروعات الآخرين .
كموقف أبوي نحب لكل الأفراد الصغار أن يكبروا ، ونهمس في آذانهم : تحطيم الآخرين لا يكبر أحدا ، ومن يريد الارتفاع على أنقاض الآخرين يظل ملتصقا بالأرض .
وكموقف وطني نحب لكل من يبشر بمشروع عدل ومساواة وكرامة أن يتقدم . ولن يتقدم من كان سهمه الأول في اتجاه رديفه الذي يليه .
في صفنا الوطني مشكلة مجتمعية لا تخفى . وعندما أرسل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا وأبا موسى الأشعري إلى اليمن ، لم يأمّر أحدهما على الآخر ، بل نصحهما بالقول : تطاوعا ولا تختلفا . ففي الإدارات والقيادات الجماعية غنى ..
وعندما يشعر الأفراد بوحدانيتهم إزاء تجمع كبير يصبح وسواسهم القهري في محاربة هذا التنظيم
أيها الرفاق .. أيها الزملاء .. أيها الأصدقاء توحدوا واجتمعوا وتعاونوا لينتصر مشروع العدل والمساواة في وطننا . والساحة بحاجة إلى جهدكم الإيجابي في البناء وفِي الهدم على محور الجهد الرئيس .
وأنا رجل يُؤْمِن أن كل ما دون العدل والمساواة تفصيل ..
يتحدث الكثيرون عن إخفاق من يسمونهم "الإسلاميين " وليس المقام لمناقشة ذاك .
ولكن لو كان لغيرهم مشروع غير التخويف منهم لكانت سورية اليوم بألف خير .
ولو انتظموا في عقد أو في عنقود ثم اتفقوا على مشروع ثم بشروا به لعلهم كانوا يفلحون
آخر ما أنهي به : أن النيل من الآخرين بحق أو بباطل ليس مشروعا ..
وقد أكثرت وأنا أنقل لأهل الإسلام أن لعن إبليس ليس عبادة .
وسوم: العدد 880