كورونا والعتيبة: رسائل أبو ظبي المخاتلة لإسرائيل!
بعد سنوات طويلة من ممارسة القيادة السياسية للإمارات أشكالا من «الغرام المستتر» مع إسرائيل، تبعتها سنوات أخرى من التطبيع المموه بالمؤتمرات الاقتصادية والمنافسات الرياضية وتسريب أخبار الاجتماعات والطائرات الخاصّة التي تقلّ مسؤولين كبارا أو رجال أعمال وصولا إلى هبوط وزراء إسرائيليين علناً في أراضيها، وتأمين صفقات سلاح إسرائيلية خفيّة لدعم الجنرال خليفة حفتر في ليبيا، أو تأمين جانب حليفها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في سيناء، وكذلك أشكال التعاون والضيافة والتنسيق الأمني والسياسي على أراضيها وفي بلدان أخرى، توصّلت أبو ظبي إلى صيغ أخرى «مخاتلة»، فالوقت لم يحن بعد، كما يبدو، لكشف الأوراق على الطاولة.
آخر هذه الصيغ المخاتلة جاء أولا عبر قناع المساعدة الصحّية والطبية مع هبوط طائرة لشركة «الاتحاد» الإماراتية الرسمية في مطار بن غوريون في تل أبيب، وكان الفلسطينيون، الذين يفترض أن هذه المساعدات ستذهب لنجدتهم، أكثر المتفاجئين بهذه المساعدة القسريّة المفتعلة، فلو أن المساعدات كانت للفلسطينيين فعلا، وليست للمخاتلة التطبيعية، لكانت أبو ظبي سألتهم عما يحتاجون، واستأذنتهم في استخدام مطار أعدائهم باعتبار أن «الغاية تبرر الوسيلة» مثلا، والأنكى من ذلك، أنه عندما رفض الفلسطينيون استلام هذه المساعدات، واعتبروها تطبيعا على حسابهم، قامت أبو ظبي بإرسال طائرة ثانية!
بعد القناع الطبّي لبست السلطات الإماراتية قناعا جديدا تمثّل في «نصح» إسرائيل بعدم القيام بخطط ضم الأغوار ومستوطنات الضفة، لكن الخدعة كانت أن سفير أبو ظبي في الإمارات بنفسه قام بإلقاء النصح هذا وأين في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، ففعل عمليّا ما فعلته الطائرة الإماراتية، بحيث لا يعود هناك معنى لما يتم الحديث عنه من «مساعدات للفلسطينيين»، في حادثة الطائرة، أو رفض «الاستيلاء غير المشروع» على أراضي الفلسطينيين، في حادثة المقالة، فما يهمّ الإسرائيليين والقيادة السياسية الإماراتية عمليّا هو هبوط رسميّ ومعلن لطائرة إماراتية، وكتابة مقالة لسفير إماراتي في «يديعوت أحرونوت»، وكلاهما من أشكال التشبيك والتنسيق والتقارب مع تل أبيب تحت مسمّيات مناقضة، مما يدخل في أبواب الحيلة والخدعة والمخاتلة.
ينشئ العتيبة في مقالته المنشورة في الصحيفة العبرية معادلة جديدة تستبدل تاريخا سياسيا عالميا وعربيا طويلا قائما على رفض الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والالتزام بالقرارات الأممية الكثيرة، بحيث تعتبر مخططات الضمّ فحسب هي المانع من قيام علاقات «أمنية واقتصادية وثقافية أفضل مع العالم العربي ومع دولة الإمارات العربية المتحدة»، ولكنّه، حتى مع إمكانية حصول الضم، يبقي الباب مفتوحا لعلاقات إماراتية وعربية مع إسرائيل بالقول إن تقبل الدول العربية لإسرائيل «قد ينسفه قرار بالضم».
بعض الأصوات الإماراتية لا ترغب حتى في هذه الأشكال من الخداع والمخاتلة، فحسب ما يقول نائب قائد شرطي دبي السابق ضاحي خلفان تميم: «استخدموا بدل العدو الإسرائيلي الصديق الإسرائيلي… شو المشكلة»!
وسوم: العدد 881