أضحوكة العصر
في الوقت الذي تتسابق فيه أنظمة تتكلّم العربيّة في تطبيق ما يسمّى "صفقة القرن الأمريكي"، لتصفيّة القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسّعيّ، ولبسط السّيادة الإسرائيليّة الكاملة على الشرق الأوسط، من خلال تطبيق المشروع الأمريكي" الشّرق الأوسط الجديد" لإعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفيّة متناحرة، هناك خلافات واسعة بين أحزاب اليمين المتطرّف الحاكم في اسرائيل وأمريكا حول طموحات نتنياهو في تسريع عمليّة ضمّ أجزاء واسعة من الضّفّة الغربيّة لإسرائيل، كما أنّ هناك خلافات واسعة أيضا في الكونغرس ومجلس الشّيوخ الأمريكي حول خطّة نتنياهو -ترامب، والمعارضون لسياسة ضمّ الأراضي الفلسطينيّة في اسرائيل وأمريكا هم عقلاء الطرفين، وحريصون جدّا على اسرائيل ومستقبلها وعلى المصالح الأمريكيّة في الشّرق الأوسط، أكثر من ترامب ونتياهو اللذين يقامران بمستقبل شعبيهما ودولتيهما بناء على غيبيّات دينيّة، ستقودهما حتما إلى جحيم الدّنيا قبل جحيم الآخرة.
وواضح أنّ بعض الحكّام ممّن يتكلّمون العربيّة ولا علاقة لهم بالعروبة، يتهافتون على عتبات البيت الأبيض وعتبات نتنياهو راكعين وينفّذون التّعليمات التي تصدر لهم دون نقاش، قد قبلوا صفقة القرن، وقبلوا الأوامر الأمريكيّة بتطبيع العلاقات مع اسرائيل كبادرة حسن نوايا أمام نتياهو، وتخلوا عن "مبادرة السلام العربيّة"، لكن نتنياهو وترامب لم يقدّما لهما شيئا، فانطبق عليهم ما قاله المتنبي" يا أمّة ضحكت من جهلها الأمم" قبل أكثر من ألف عام.
ويحضرني هنا الشّهيد صلاح خلف عام 1974 في كتابه"فلسطيني بلا هويّة" حيث قال"أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر". ولو طالت الحياة به لرأى أنّ الخيانة" أصبحت نهجا وجهادا وفضيلة" عند من خانوا وهانوا، ويمارسون الدّعارة السّياسيّة دون وجل. وخياناتهم ليست وليدة السّاعة، بل رضعوها مع ألبان أمّهاتهم، فكان لهم دورهم في تدمير وقتل الشّعوب في العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها، ويشاركون في حصار سوريا ولبنان وإيران وفلسطين، ولا غرابة في ذلك، ما داموا يعتبرون اسرائيل التي تحتلّ الأراضي العربيّة دولة صديقة، ويعتبرون حركات المقاومة حركات ارهابية. ولم يعودوا يتكتّمون على خياناتهم بل يمارسونها ويفاخرون بها على رؤوس الأشهاد.
ويلاحظ أنّ متسابقي السّقوط السّياسي قد انفردوا في تنفيذ أوامر ترامب ونتنياهو دون تفكير، في وقت نجد معارضة لسياسة أسيادهما في اسرائيل وأمريكا، والأمم المتّحدة والإتّحاد الأوروبي وروسيا والصّين ومختلف دول العالم، فهل السّقوط المجّاني تخصّص للنّاطقين بالعربيّة؟ وهل تساءل من نزلوا ميادين سباق السّقوط عمّا سيكون موقفهم إذا لم ينجح ترامب في انتخابات الرّئاسة في نوفمبر القادم، وسحبت أمريكا صفقة عارها؟
وسوم: العدد 882