المدرسة الرقمية السورية - حين يبدع السوريون
قصص النجاح في فضاء الثورة السورية قليلة معدودة ، أو كثيرة غير محدودة ؟ بمفهوم ما ، يمكن اعتبار قصة كل شهيد أو معتقل أو مهاجر قصة نجاح ، تصنع بمجملها حقيقة النصر الذي حققه الثوار السوريون على تحالف دولي اشترك فيه نحو من سبعين دولة . عشر سنوات وما يزال الصراع يدور . في مذكراته الأخيرة يعترف بولتون مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي أن ترامب يقول : دخلنا سورية للحفاظ على بشار الأسد . ربما يحتاج بشار الأسد إلى من يترجم له هذا ..
ومع احتفاظي بحق السوريين بالتمسك بكل تلك النجاحات ، والفخر بها على مدى الأجيال ...إلا هناك نجاحات في صور أخرى وفي ميادين أخرى ، يحق للسوريين أيضا ، أن يتمسكوا بها ، وأن يفخروا بها ..
وبغض النظر عن هوية المنجز أو الناجح ثمة نجاحات في حياة السوريين ذات طبيعة فوق هوياتية فضاؤها الإنسان والوطن والعقل السوري المبدع وحليب صدر أم ربت أبناءها على العطاء والوفاء ..
حدثتكم منذ أسبوع عن تجربة اللجنة السورية لحقوق إنسان . وأكدت أنها جهد شبه فردي لحمتها وسداها الجهد والعرق والعزم والتصميم . وقلت وليس كما يدعي المدعون إن أي نجاح حققته تلك اللجنة هو نجاح لكل المستضعفين من السوريين ..
ولأن الحديث عن النجاحات في زمن الانكسارات يرفع الهمم ويستثير العزائم أحببت اليوم أن أحدثكم عن حكاية نجاح أخرى ، قصة نجاح طرقت باب العالمية بجدارة واقتدار ، وإذا كان من حق أن نسجل الشكر والتقدير للفريق العامل المبدع والمخطط والمنفذ والمتابع ..فمن حق أيضا أن نسجل براءة الاختراع في أفقها العام باسم كل السوريين المتطلعين للعلم والمعرفة المتحرِرة والمحررِة .
من المحلية قبل كورونا إلى العالمية بعدها ، تمضي المدرسة الرقمية السورية ، صعدا على طريق نجاحها ، وإثبات سبقها وريادتها وحاجة الفضاءات المجتمعية إلى أنموذجها أو إليها .
من الضرورة المحلية الملجئة إلى الخيار العالمي المفتوح في عصر بتنا نواجه فيه حقيقة أن حياة التلميذ مقدمة على مدرسته . دون أن نفقد إيماننا أن حياة التلميذ لا يمكن أن تستمر دون تعليم . وأنه إذا غابت المدرسة والمدرس ، فلا يجوز أن يغيب التعلم والتعليم .
كان " التعليم عن بعد " عنوانا سابقا بعض الشيء ، ولكنه طرح في ظروف وآفاق تختلف كثيرا عمال آل إليه الأمر في فضاء المدرسة الرقمية السورية ، أولا في اختلاف حجم التطور الالكتروني في تكنولوجيا التبادل المعلوماتي . وثانيا في الشرائح المستهدفة من هذا النوع من التعليم الأولي في محاضنه الأولى . في برامج المدرسة الرقمية السورية شرعت الآفاق للتلميذ والطالب على السواء لينهلوا العلم بلا توقف ولا انقطاع .
منذ 2012 انطلقت تجربة المدرسة الرقمية السورية ، تجربة رائدة قامت على إبداع فريق من المبدعين السوريين ، وتغذت على تصميمهم وعزائمهم وإصرارهم ، على أن يصلوا بالعلم إلى كل طفلة وطفل وإلى كل فتاة وفتى في فضاء المحنة السوري المنتشر في بيوت المدر والوبر ..
ولم يكن النجاح فقط في براءة الاختراع ، الوسائلي ، الذي حصلت عليه المدرسة عن جدارة واستحقاق ، وإنما أيضا بسبقها إلى تغذية المشروع بما يستحق من منهج متوازن رشيد .
في زمن الانحسار حيث يشعر السوريون بالكثير من المرارة والأسى يحق لهم أن يفخروا بنجاح حيوي إيجابي يمكن أن يسجل لهم على مستوى إنساني رائد وفريد .
منذ أكثر من عقد قال فاروق الشرع : إن المعارضة السورية لا تستطيع أن تدير مدرسة ابتدائية ..أقول له اليوم وبكل الفخر أطل برأسك اليوم لترى شباب سورية يديرون المدرسة الرقمية بأبعادها الإنسانية ..والوطنية ...
ولو كانت لي كلمة أؤكدها وأهمس بها في آذان القائمين على المدرسة مع دعائي لهم بكل الخير فهي أن تبقى المدرسة في أفاقها الثلاث : علمية ..إنسانية ...وطنية ..فكل هذا الزبد الطافي على وجه المشهد سيذهب جفاء ..علمية ..إنسانية ..وطنية في آفاق سامية ، ولا يستخفنكم الذين لا يعلمون ..
في كل دول العالم المستقر يتغير رئيس الدولة ، ولا تتغير مناهجها التعليمية . لأن المناهج التعليمية لم توضع بالأصل للدعاية والإعلان ..
وكلمة أخرى لا بد منها هي أن الأفكار الرشيدة السديدة كالأشجار المثمرة تحتاج دائما إلى الرعاية وإلى السقيا وحسن التعهد ..
وفرق بين من يفتح مدرسة فيعلم ألف تلميذ وبين من يفتح مدرسة فيعلم أبناء جيل ..
الخبز والحرف من مقومات الحياة الأساسية فلا تبخلوا بهما على أبنائكم أينما أقاموا أو ارتحلوا ..
الاستثمار في النجاح هو واجب الوقت بالنسبة لأصحاب الدثور من السوريين . وشكر النجاح هو حق علينا في فضاء كثر فيه الحديث عن الإخفاق والمخفقين ..
وإلى كل العاملين في مشروع المدرسة الرقمية في سورية نقول شكرا لكم وألف شكر
وجزاكم الله عن مشروع التعليم في سورية ألف خير . ومن قال لأخيه جزاكم الله خيرا فقد أجزل له المثوبة .
وسوم: العدد 883