احذروا التدليس: رسالتي إلى كل طالبي الحق والحقيقة
وكلمة "المذهب " من المشترك اللفظي، ولا يساق المختلف في الدلالة وإن اتفق لفظه في سياق واحد، ولا يعطف مذهب أهل الرفض، واصحاب البدعة على مذاهب أهل السنة إلا من باب التدليس والخداع، ولا يفعل ذلك إلا من كان في قلبه مرض ..!! وقد توصف الفرقة أو الطائفة أو الجماعة من الناس بأنها من تحت راية الإسلام خرجت ، وحظها من الإسلام شروى نقير. فلنحفظ هذا فإنه نفيس مقرر عند السلف السابقين.
ومذاهب أهل الحق يجمعها الحق، ومذاهب أهل الباطل إلى وادي تهلك تصير، (وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ)
والمشترك اللغوي هو عنوان من عناوين فقه اللغة، منتشر في كل اللغات، يشير إلى حقيقة ما اتفق لفظه واختلف معناه ..يغرفه أهل اللغة بأنه ما تفق لفظه من الكلمات ، واختلفت دلالته ومعناه. وكان أهل علم أصول الفقه أشد عناية به فعرفوه وقالوا "المشترك اللغوي هو اللفظ الواحد، الدال على معنيين مختلفين، دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة..
وأطلق بعض العرب: القرء على الطهر ، وأطلقه بعضهم على الحيض وفي مثله مضى الخلاف الفقهي المشهور في قوله تعالى (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)
وذكروا للفظ العين في لغة العرب ثلاثة عشر معنى أورد لكم ما علق بذاكرتي منها :
وقالوا : العين : الباصرة، والعين : ذات الشيء، والعين: عين الشمس، وعين الماء، وعين البئر ، والعين: ضرب من البيع، والعين: عين الميزان، ويقولون لسانه أيضا، والعين الجاسوس، يطلقونها على الصديق ترفعا به عن ذاك الوصف...ومن أراد الاستقصاء رجع ..
وكلمة المذهب في اللغة: تدل على الطريقة والمنهج والسبيل. وهو في الأصل اسم مكان أو مصدر ميمي، من الذهاب، ويقولون في دلالته المكانية: ضاقت عليه المذاهب: إذا سدت في وجهه السبل والمسالك. ثم جعلوه عنوانا لطريقة الرجل العلمية والعملية وتوسعوا في إطلاقه حتى شمل كل العقائد والأفكار العلوم والفنون ...
فقالوا : وللناس فيما يعشقون مذاهب ..!!
ونقول مذاهب أهل الأدب ..ومذهب أهل الصنعة من الأدباء ..
ونقول مذهب أهل الإيمان، أو مذهب أهل الإلحاد ، أو مذهب أهل القول بوحدة الوجود، أو مذهب أهل الإباحة - القائلون بأن كل شيء مباح -، ومذاهب أهل الغلو ، ومذاهب أهل الحق ، ومذاهب أهل الباطل، ومذاهب أهل السنة، ومذاهب، أهل الفقه، ومذاهب الأئمة المتبوعين ...ومذهب مالك ومذهب أبي حنيفة، ومذهب الأوزاعي ومذهب أحمد ومذهب السفيانيين - الثوري وابن عيينة-ومذهب داود الظاهري ، وكذا مذهب ابن حزم الذي قطعوا الطريق عليه فقالوا : وليس من الحزم اتباع مذهب ابن حزم، وإنما تعشقنا فيه خفة الروح، وسلاطة اللسان ، وقال لسان ابن حزم وسيف الحجاج.
وأكتب كل هذا لأبين أن عطف الدلالات المختلفة لكلمة " مذهب" في سياق واحد، هو من التدليس الخطير على المسلمين، ولا يجوز أن يمر علينا، ولا أن نخدع به بحال.. بل يجب على الذين أوتوا حظا من العلم أن يبينوا ما علموا للناس...لا تقرن مذاهب أهل الحق وأهل البدعة والضلال في سياق واحد بحال.
وسبقتُ قبل أيام وكتبت تقرير الإمام أبي الحسن الأشعري في كتابه " عقائد الإسلاميين واختلاف المصلين" أن وصف بعض الفرق، والمذاهب بأنها إسلامية، بالتبعية، لا يعني الحكم لها بالنجاة يوم الدينونة الكبرى. وهذا يجب أن لاينسى...
وأعود اليوم لأقرر بجلاء ووضوح أكبر بعدما تابعت ما في كلام بعض "الهيئات "المؤتمنة على دين الناس، من تدليس وخداع ، واستغلال أشكال المشترك اللفظي، لعطف البيض على الباذنجان بدعوى أن كلا منهما " مأكول "
أن كلمة مذهب حين نقولها في إطار الحديث عن أهل السنة والجماعة في قاعدتها الأعرض والتي تشتمل على عشرات المذاهب لأئمة متبوعين وغير متبوعين، تختلف في الدلالة اللغوية عن كلمة مذهب، حين نطلقها على فرق أو طوائف أخرى هي في حقيقتها أقرب إلى الاستقلال بمعنى الدين، وإن اشتركت لفظيا بعنوان الإسلام والمسلمين، ودلالة العنوان تخالف جذريا دلالة المحتوى أو المفهوم المذهبي الذي يزعمون ...
ولعلنا ندرك أكثر في هذا العصر : لماذا ألحق أئمتنا رحمهم الله، قضية "الإمامة" بفقه أصول الدين، مع أنها في حقيقتها مسألة أليق بالفروع، كما هو في ظاهر الأمر ..!!
فليس مذهبا - بالمعنى الذي أراده فقهاء المذاهب كلها - من يعتقد بعصمة البشر ، في صورة صاحب الزمان أو الولي الفقيه، مقابل عصمة النص المقدس، والاعتماد على الاستنباط منه ..
وليس مذهبا بالمعنى الذي أراده فقهاء الأمة ، من يرى أن الله سبحانه، قد استأثر دوننا بحق اختيار حاكمنا ، فجعلوه حكرا على سلالة محدودة ، بعضهم زعم لها ألوهية، ومنحها حق نسخ الدين في أئمتها بين صامت وناطق، وآخرون زعموا لأئمتهم عصمة، حتى أسسوا على أقوالهم المنسوبة إليهم بغيا وعدوانا دينا جديدا ، ما زال قرنا بعد قرن يطالعنا بترتيب ونسك جديد ..
ولا يصح أن يقال " المذهب الجعفري" لأن الإمام جعفر الصادق رحمه الله تعالى ، وكل مسلم حق يتولاه، أكبر مما يقول باسمه هؤلاء المفترون. ورحم الله الإمام ابن قيم الجوزية حين قال : قاتل الله الرافضة لقد أفسدوا علينا كثيرا من فقه أهل البيت بالكذب والتضليل والحمل عليهم ..
الخلاصة :في تمثيلات النحويين عن الاستثناء المنقطع، يضربون مثلا ظريفا فيقولون: جاء القوم إلا حمارا ..ويبينون أن حكم الاستثناء المنقطع دائما وجوب النصب. وأن صيغته أن يستشنى من المستثنى منه ، ما ليس منه، بل ما يخال أن له بعض تعلق به .واعتبار الحمار من القوم أو تابعا لهم على نحو ما يشبه بعض المعطوفات التي يمارسها القوم المدلسون...
وهو يشبه إلى حد كبير ما يفعله بعض المضللين من القول : المذاهب الخمسة أو المذاهب السبعة ..!! لعلكم تتفكرون
وهذا ليس إطلاق حكم بتكفير ، ولا محاولة من محاولات التنفير، ولكنه بيان لوجه الحق. وهو أن قولنا مذاهب أهل الحق من المسلمين تشملهم، وقولنا مذاهب أهل البدعة أو أهل الضلالة تشمل كل المبتدعين الضالين، وأن اعتبار كلمة مذهب عاملا مشتركا بين هؤلاء وأولئك ليس بفعل الراشدين ..
وسوم: العدد 948