هل تخلى مسيحيو الغرب عن مسيحيي الشرق ؟؟! ولمصلحة من؟؟!!
ولا تعجل عليّ السؤال ولا الجواب !!
نحن هنا في إقامتنا في الغرب، نجالس كثيرا من الغربيين، هم في موقفهم الديني الشخصي العام، لا دينيون، ولا أدريون، غير مهتمين بالقضية الدينية، وبعضهم دعاة ضد الإيمان وضد الأديان بشكل عام ، ولكن ما أن يذكر "الإسلام والمسلمون" يعودون مسيحيين بالمعنى الصليبي المكروه أو المرذول. كراهية؛ كما تقول الباحثة البريطانية المسيحية " كارن أرمسترونغ " في كتابها "الحرب المقدسة" رضعوها منذ الصغر في الأسرة والمدرسة، وربما الكثير من أبناء الأديان والطوائف حول العالم وفي وطننا، لم يعرفوا من أمر دينهم غير " كراهية الإسلام والحقد على المسلمين" !!
وعلى ضوء هذه المعلومة المهمة جدا أعيد طرح السؤال : هل تخلى مسيحيو الغرب عن مسيحيي الشرق؟؟ ولمصلحة من ؟؟
وأزيد فأقرر أن المقصود من " مسيحيي الغرب" واضعو الاستراتيجيات، وصانعو السياسات، ويتبعهم ضمنا منفذوها وحاملو عبئها من الحكومات والمؤسسات الكبرى، وفي مقدمتها البابوية وسائر الكنائس والمراجع الكنسية حول العالم ...!!
وحين أتحدث عن "مسيحيي الشرق" أقصد بكل وضوح وتحديد مسيحيي العراق وسورية ولبنان وفلسطين ومصر أيضا، نعم مصر المبتلاة في كنيستها القبطية بما لا نعرف وبما لانتابع .!! ومما عرفنا أن وزير داخلية نظام مستبد يفجر كنيسة ليتهم المسلمين ويخوف منهم ، وومخابرات دول العالم لا تدري..
وقبل أن أجيب على السؤال -مرة أخرى- يجب أن أبادر وأوضح أننا ، و"نا " هنا تضم دائرة كبيرة، من مسلمي الشرق، لا نريد بمسيحيي الشرق شرا، بل نريد لهم عدلا وقسطا وبرا ..ولانضمر رفضا ولا كراهية ولا بغضاء ، لا نضيق بهم ولا بكنائسهم ولا يؤرقنا قرع نواقيسهم ، لا نضيق بمسيحي الشرق على اختلاف كنائسهم، وعندنا في سورية أربع عشرة كنيسة - مذهبا- مسيحيا، وفي لبنان ست عشرة كنيسة ، كلهم أقمنا علاقتنا التاريخية معهم منذ ألف وأربع مائة عام ، على البر والقسط، والتعاون على الخير للجميع .. وإن تصدر عن بعض الناس كلمات فيها غير هذا المعنى فإنما مبعثها ، جهل أو شعور بظلم ، ولا تحسب إلا على قائلها، ولا تنسب إلا إليه...
وأكبر برهان لي على ما أقول أنه عندما نزلت في جوارنا في مطلع القرن الماضي، مجاميع الأرمن خائفين، ومع أن حربهم كانت مع إخواننا في الدين، استقبلناهم استقبال الإنسان لأخيه الخائف الملهوف، مددنا اليد، وفتحنا الصدر، وبسطنا البساط ..ألا فهجرا وبعدا لقوم لا يؤمنون... وهم بين ظهرانينا حتى اليوم الشهود...
ومجتمعنا المعمر ألفا وأربع مائة عام على البر والقسط أردناه وأقمناه ، ولعل مجتمعنا المتحضر الأطول عمرا بامتداده التاريخي بين مجتمعات البشرية كلها على السواء، ففي كل المجتمعات حصلت الزلازل وخدت الأخاديد ونصبت محاكم التفتيش تنقب عن العقول والصدور إلا في حمى الإسلام والمسلمين...
وإنه ليحزننا أن نجد مسيحيي الغرب ، قد تآمروا على مسيحيي الشرق، وباعوهم بثمن بخس كما نرى ونتابع منذ نصف قرن ، منذ تغول حافظ الأسد على لبنان، ومنذ ظهور " آية الله الخميني" في الشرق قادما من باريس عاصمة الكاثولكية الحقيقية، ليكون وأتباعه سادة المنطقة وجلاديها بلا منازع، وبتكليف وتفويض.
ورجل مثلي من مخضرمي الوعي في قرنين، عاش مرحلة ما قبل الخذلان الغربي، يوم كانت فرنسة " أما حنونا " لكل المسيحيين، فلا يطأ أحد " لجبلة بن الأيهم على طرف إزار ، وعاش زمنا آخر بعدُ، يقتل فيه رئيس جمهورية لبناني ماروني اسمه "رينية معوض" يعرف قاتلَه البائعُ المتجول على حمار، فلا ينتطح في دمه من هذا العالم، عنزان!!
ولولا التواطؤ الغربي على مسيحي الشرق ما كان لدم رينية معوض أن يضيع هدرا ولا لدم بشير الجميل أن يضيع هدرا ، كما ضاع في العراق وسورية ولبنان دم المئات بل الآلاف ، والسذج فقط هم الذين يقبلون كل ما يقال..
وتتتابع موجات الاغتيال، في عهد حافظ وبشار ، لتصبح عمليات اغتيال وجوه المسيحيين في لبنان، ككيس الملاكمة ، يتدرب عليهم صبيان حسن نصر وحزب الله ..ويعلم مسيحيو الغرب أكثر مما نعلم ويصمتون، وليس من حقنا ولا من مصلحتنا أن نصمت!! بل من واجبنا أن نشجب وندين ونستنكر ..
وفي ساعة الخوف والاضطراب دخل شيخ الإسلام ابن تيمية على "خاقان المغول " يفاوضه عن أسراه من أهل دمشق وأنهى الخاقان المفاوضة ووعد الشيخ أن يطلق سراح الأسرى المسلمين من أهل دمشق، فأبى الشيخ رحمه الله تعالى عليه إلا أن يطلق سراح جميع الأسرى بمن فيهم المسيحيين وقال أهل ذمتنا لا نفرط فيهم أبدا ..
وبالأمس يرفع الأنتربول اسم " سمير جعجع" بأمر بشار الأسد على القائمة الدولية الحمراء ، فلا يجد هذا المسيحي المشرقي في دول الغرب وفي قيادات الغرب من ينصره، ومن يدافع عنه...!!
كل العدوانات مارستها الميليشيات الطائفية التابعة للولي الفقيه ضد مسيحيي الشرق في العراق وفي سورية وفي لبنان وفي فلسطين ولم نسمع تغلبيا واحدا يجرؤ أن يصيح يصيح كما صاحت أم عمرو بن كلثوم من قبل : واذلاه يا لتغلب...
ودخل الشاعر الأخطل على عبد الملك وقد أوجعت ضربةُ الجحاف الذي استفزه الأخطل من قبل، بني تغلب فأنشد ..
لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعة ..إلى الله المشتكى منها والمعول
فإن لم تغيرها قريش بملكها ..يكن عن قريش مستماز ومزحل
لم يعد في القوم أبو غياث عضو المجتمع الحر ينشد كما أنشد من قبل ويقول للخليفة بين يديه: فإن لم تغيرها قريش..يكن عن قريش..!!
من نينوى مدينة يونس بن متى، إلى كل حواضر الشرق، يسام المسيحيون يكما يسام المسلمون كل أنواع الخسف وإن اختلفت في ظاهر الصورة كثافة الخسف،. لا ينزل الخسف في المسيحيين من شركائهم في تحمل عبئه من المسلمين، ولكن مع شركائهم المجتمعيين من المسلمين، ومن أنظمة الاستبداد والفساد بشكل عام، ثم من الولي الفقيه - الحليف المتمكن الأمكن لصانعي الاستراتيجيات العالمية- على حساب السواد العام للمجتمعات ...
حافظ ثم بشار الأسد والزمرة المتمكنة المحيطة يقدمون أنفسهم كحماة للمسيحيين من الأكثرية المسلمة!! ويرسخون هذا في وعي أبناء الأقليات وفي مقدمتهم العلويين والمسيحيين ...وحقيقة الأمر أن كل السوريين يحتاجون إلى من يحميهم من غول الاستبداد والفساد والقمع. وفي معادلة مقلوبة أن الهنود لما تكاثرت عليهم الفئران استعانوا بتربية الأفاعي والثعابين !!
إن الأفاعي وإن لانت ملامسها ..عند التقلب، في أنيابها العطب
كل الظلم الذي يقع على المسيجيين من قبل المستبدين الفاسدين مسكوت عنه مقبول عند داعميه، وتصر كل كنائس العالم من الفاتيكان إلى الأرثوذكسية في أنطاكية وفي موسكو والقبطية وسائر المشرق ، إلى التجحفل خلف القتلة والمستبدين والمجرمين ، متمثلين في بشار الأسد، بالاضطرار لا بالاختيار ، ومن رأى أو سمع خلاف ما أدعي فعليه البرهان ..
ومنذ أيام كان زعران حسن نصر الله في وسط "عين الرمانة"، وعين الرمانة في بيروت عاصمة في ىالعاصمة، ينادون شيعة شيعة شيعة ..وبطرس الراعي وميشيل عون في المشهد الخلفي يصفقون مضطرين متجحفلين بالأمر العُلوي مع هؤلاء الزعران ومع سيدهم ومع سيد سيدهم بأمر سيد سيد سيدهم ، فكيف يفعلون !!
تذكروا كيف أخرج حافظ الأسد "ميشيل عون" من لبنان!! وتقولون : ولكن فرنسة قدمت له الملجأ والمأوى !! وهذه هي أضحوكة الزمان، فهل كان ميشيل عون الذي كان قائد الجيش " الماروني " هو وليس الجيش، يبحث عن مأوى أو يبحث عن نصرة تعيده وقومه للعز الذي كان فيه: كان المعادلة الدولية الفرنسية وهذا جوهر الحقيقة التي أشرح : حافظ الأسد يُمكن، وميشيل عون يخرج. وما سمح لميشيل أن يعود إلا عندما قبل أن يكون لبشار الأسد أطوع من شمال، من شمال وليس من يمين ... لعلنا نتفكر !!
لماذا لم يحفظ أحدٌ ماء وجه مسيحيي لبنان وهو يراق إذلالا على عتبات عنجر، غازي كنعان ورستم غزالة ثم تأمّل لعلك تتأمل أين صار غازي كنعان ورستم غزالة ...!!
هذا الفتى بالأمس صار ..إلى رجل هزيل الجسم منجرد
عنوان مسيحيي الشرق الذي تردده الكنائس والمرجعيات، هو عنوان للمزاودةعلى مسلمي الشرق فقط، وليس عنوانا لنصرة دين أو الدفاع عن قيمة أو عن إنسان!!
مسيحيو الغرب، أو واضعو استراتيجياتهم، أو منفذو سياساتهم، باعوا مسيحيي المشرق بالثمن البخس، وهم لا يتذكرونهم ، ولا يذكرّون بهم، ولا يخاصمون فيهم ؛ إلا إذا ذُكر الإسلام ، وحضر المسلمون ...
تذكروا حكاية "راهبات معلولا" الراهبات اللواتي كُمت أفواههن مباشرة بعد الإفراج عنهن، لأنهن أردن أن يتحدثن بوصفهن " راهبات مسيحيات مشرقيات" وعدونا بمؤتمر صحفي، بعد ثلاث جمل خرجت من كبيرتهن، ثم كأنهن وقد شغلن الإعلام العالمي أياما طوالا ، كأنهن ضرس ملح وذاب...
أذكر سمير جعجع يومها يقول للعالم : يا عمي على راسنا معلولا وراهبات معلولا ولكن معلولا ليست كل الشام !! ووجدتها يومها كلمة من ذهب تستحق الشكر والتقدير ، واليد باليد عندنا تذكر.
في يوم سمعت جاك شيراك قبل أن يكون رئيسا للجمهورية الفرنسية، يخاطب نظراءه وزراء الخارجية الأوربيين ، وهم يتابعون أمر تفجيرطائرة لوكربي، يقول جاك شيراك " لا تنظروا إلى طائرة يفجرها حافظ الأسد هنا ولا إلى صحفي يقتله هناك ... انظروا إلى ما يخدمنا به من قمع الأصولية في الشرق الأوسط "
حين تتنمر ميليشيات الولي الفقيه بمن فيها الجيش الأسدي ، على أبناء هذا الشرق ، ثم يصمت العالم عن كل الضحايا بمن "غياث مطر " ندرك أنه قد تم التخلي عن الكل في هذا الشرق لمصلحة الفئة ، ولمصلحة المشروع شبيه الدكتور جيكل ذي الوجهين؛ الصهيوني- الصفوي...
الفرق الوحيد في موقف الضحايا مجتمعين أن المسلم يجاهر بالشكوى فيظل يندد بالجريمة والمجرمين ...والمسيحي مثل الذي بلع الموسى، فلا هو قادر على البلع، ولا هو قادر على الإخراج ..!!
في عقولنا وأمام أنظارنا أن هؤلاء المسيحيين بيننا هم المقربون من أصحاب الامتيازات، وفي حقيقة الأمر أصبح الناس وبعضهم ضحايا ، وبعضهم مطايا ، ولا ندري أيهما أولى بالغبطة أو الشفقة منهم ...
وسوم: العدد 952