آن أوان الاستفاقة
حان الوقت لخلع لباس الصمت، فقد بلغ السيل الزبى...لم يعد الأمر مجرد سكوت على منكرات تنتشر بل أصبحت كبائر المنكرات شيئا عاديا طبيعيا في حياتنا، يشب عليها الصغير ويموت عليها الكبير، تشجعها أطراف عديدة، على رأسها الأولياء الذين لا يبالون بسقوط أبنائهم في الانحراف والإلحاد وأنواع الآفات...أولياء يظنون أن الملابس الممزقة وتبرج النساء وتسريحات الشعر الغريبة أمور بسيطة لا تستحق الإهتمام، ولا ينتبهون إلى أنها مستصغر الشرر، وهي غالبا الخطوة الأولى في طريق التحلل من الدين والأخلاق...الأطراف العلمانية المستحوذة على التربية والتوجيه والإعلام تزيّن كل هذا وتعمل على نشره بدهاء، وتعدّه رقيا، ونيتها المبيتة بل المعلنة محاربة القيم والأخلاق لقطع الصلة بالإسلام، لذلك تروّج بكثافة للمثلية والفواحش والتحلل من الدين باسم الحرية الشخصية "التي يكفلها الدستور"، وقد انتهى الأمر إلى التعايش والتأقلم مع المنكرات في مجتمعنا المسلم، فقلَبت حياتنا رأسا على عقب، وعرّضت الأعراض والقيم للانتهاك والتراجع، فسلبت من المسلمين أخلاق الحياء والحشمة وكل صفات ومعاني التديّن الصحيح .
أجل بلغ السيل الزبى إلى درجة أن التلاميذ أنفسهم ضاق بهم الوضع فانتفضوا في ثاوية بمدينة بريكة على الفيزو الذي ترتديه الفتيات فيشوّشهم ويجعل المنحرفين والمجرمين يترددون على المؤسسة ويتسببون في الشجارات والاعتداءات ...كل هذا لأن الرذيلة_عمّت وسط السكوت_والرضا_والتواطؤ، سكت المربون والأولياء فانتفض الضحايا الذين تضرروا من تحويل المدارس إلى دور لعرض الأزياء الخادشة للحياء وأماكن للمجنون_والمواعيد_الغرامية...هذه هي الحية على مرارتها، فهل نستسلم للتفسخ والانحطاط الأخلاقي؟ إن الساكت عن الحق شيطان أخرص ، وإنكار المنكر مسؤولية الجميع بداية بالذين كان لهم شرف الوقوف علي منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
- بداية الإصلاح أن يتكلم الأئمة والشيوخ.
هل نترك العلمانية تعربد؟ هل نسكت على هذا التفسخ الرهيب؟ هل نرضى بالفساد المستشري في طول البلاد وعرضها وعلى جميع المستويات؟ البداية بعلماء الدين أن يتركوا قليلا الحديث عن النظافة من الإيمان وفوائد التشجير وعذاب القبر، ويركزوا عل تلك المواضيع التي تزعج العلمانية، على رأسها: حكم تارك الصلاة وأن بعض الأئمة الأعلام يرون أنه كافر- حكم الحجاب وأنه فرض ديني (دعونا من الكلام الناعم عن "اللباس المحتشم"، فإما الحجاب الشرعي أو التعري) – حكم التبرج وأنه معصية لله لا تنفع معها صلاة ولا صيام ولا عمرة – معنى الآيات الكريمة " ومن لم يحكم بما أنزل الله" وأن أكبر الكبائر هي تنحية شرع الله واعتماد القوانين الوضعية – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (أي التغيير باليد وباللسان أولا) فريضة لا تبالي بحكاية الحرية الشخصية ما دمنا مسلمين.
هذا الخطاب يجب أن يكون موضوع الدروس المسجدية والأحاديث الإذاعية والتلفزيونية ليكتسب مصداقية عند الرأي العام، فإن كان الشيوخ عاجزين عنه فلْيتركوا الوعظ ولْيشتغلوا بالأدب أو الفن او التجارة...بوراوي وجاب الخير وكمال داود يسخرون من الله ورسوله ودينه والشيوخ لا يتزعزعون ولا يتحركون؟ العلمانية تحارب العفة وتيسر سبل الانحلال ونحن صامتون؟ العلماء هم القدوة، إذا رفعوا أصواتهم استجاب المجتمع شيئا فشيئا...لا أكلف الشيوخ أن يكونوا أبطالا في مجتمع سلبي لكن أريد أن يؤدوا واجبهم الديني...والكلام عن المروءة والعرض والشهامة صنو الكلام عن الصلاة والصيام والحج، وهل يكون المسلم مسلما إلا بعزة النفس ومعالي الأمور؟
- لا بد من إحياء شعيرة الأمر والنهي باليد واللسان:إن الجديد المحزن هو تكالب قوى الشر على الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر وجعلهم مرمى لسهام النقد والسخرية والازدراء، فلو ترك هؤلاء يمارسون دورهم لما تساوى الفريقان ولكان هناك أمل في انتصار الخير بإذن الله، ولكن العملية ممنهجة في إطار العولمة الطاغية والعلمنة الحثيثة لمجتمعاتنا، كانت الخطوة الأولى إخراج المرأة من البيت وعدم السماح لها بالعودة إليه، وانتهى بتغريب المنظومة التربوية وملاحقة مظاهر التديّن والالتزام على جميع الأصعدة، إلى درجة أن الموضة هزمت المبادئ والقيم عند كثير من المسلمين، فترى حتى التجار استسلموا لها، يعرضون الملابس النسائية بطرق شيطانية تغري بكل الشرور، وهم ينعمون براحة البال.
بل وصل الأمر حد ازدراء النساء المحجبات – وهن قلة قليلة جدا في المجتمع - و حتى التلميذة المتحجبة محاصرة من طرف زميلاتها في المؤسسة التربوية تلاحقها لسعات الموضة، وصارت العولمة اللادينية من ثم تصنع حياتنا و ديننا.
لكن الداهية الكبرى أن تجد من يدافع عن المنكر ويبرره ويصطف معه، سواء بخبث الطوية كما هو شأن العلمانيين اللادينيين أو انسياقا خلف الواقع الفاسد كما هو شأن الأزواج والأولياء...والحلّ هو تنادي الخيّرين بإحياء شعيرة الأمر والنهي على أوسع نطاق وبأرقى الوسائل والطرق وفرض ذلك على الواقع المنحرف، ولهذه الشعيرة تبعات لا بدّ من تحمّلها وضريبة لا بد من دفعها.
- الاستعداد للأسوأ: إن المنطقة العربية مقبلة على مرحلة جديدة من الضغط العلماني الرسمي، يتجاوز مرحلة الحكم العسكري الذي عرفناه بعد الاستقلال، حيث كانت الحكومات تبقي على حد أدنى من احترام مظاهر التدين وعناصر الهوية ، مثل قوانين الأحوال الشخصية، ورعاية المساجد، والاحتفال بالأعياد... لكن هذا كله سيصبح محل نظر في عالم الثورات المضادة، فحتى التطبيع مع الصهاينة الذي كان خيانة سيصبح شرطا للتعايش، والديانة الإبراهيمية ستكون هي الدين الرسمي، والحركات النسوية وجمعيات الإلحاد هي التي ستعيد تشكيل القوانين ومناهج التعليم، وكل من يخالف أو يعترض سيتهم بالإرهاب.
فتعيّن الاستعداد لذلك ومباشرة التغيير باليد واللسان والقلب، وخاصة وضع خطته لحماية النفس والأهل والناشئة.
- مشروع فكري: كل هذا يقتضي إنجاز مشروع فكري مقاوم للتيارات الفرانكفونية البربرية العلمانية للمحافظة على الهوية والدين والأخلاق وتحصين الجيل، ويمكن التعويل على شباب مبدع متألق يملك رؤية واضحة ووعيا متكاملا وعزيمة كبيرة يستطيع المقاومة والمغالبة .
ولا بد من الإشارة إلى أن من أسباب تجرّأ العلمانيين على الإسلام انتشار الفكر الوهابي الذي يحارب و يقف في وجه كل من يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر ويصفه بشتى النعوت القبيحة، و يرميه بالبدعة و الضلالة ليحيّده و يمنعه من ولوج معركة الحق و الباطل ،فيخلو الطريق للعلمانيين ليعيثوا فسادا في الأرض، فللوهابيين و العلمانيين هدف واحد و هو جعل الإسلام بين أربعة جدران في المسجد أو البيت و بين صفحات الكتب لحفظها دون إدراك لمعانيها أو محاولة تطبيقها على الواقع ، وهذا يقتضي إدراج مسألة الفكر الوهابي في مشروع الاستيقاظ والإصلاح والتغيير.
وسوم: العدد 958