هل نحن عنصريون إذ نرفض المثلية؟
اعتدنا أن تقدم لنا السينما العالمية أولئك الخارقين الذين ينقذون الكرة الأرضية من أخطار الكواكب الأخرى، وغالبا ما يكونون من الشعب الأمريكي العطوف على البشرية، وألفنا أن يقترن لقب كل منهم بـ "man" ، سوبر مان، بات مان، سبايدر مان.....، وربما كان الخارقون من النساء أيضا على غرار "واندر وومن"، "سبايدر وومن".
لكن شركة مارفل مؤخرًا قامت بإنتاج فيلم بعنوان "الأبديون"، يتضمن لونًا جديدا أو نوعًا جديدا للبطل الخارق الذي ينقذ البشرية، وهو الخارق مثلي الجنس، وبالتالي تضمن الفيلم بعض مشاهد التقبيل والحميمية بين بطلين من أبطاله.
الجهات الرقابية في العديد من الدول العربية كالسعودية وقطر والكويت والأردن ومصر، اشترطت على الشركة حذف هذه المشاهد قبل عرضها في دور السينما، إلا أن الشركة رفضت هذا الشرط، وعلى إثر ذلك اتهمنا صناع العمل الفني بالعنصرية والجهل.
إذن، صارت ممارسة حقنا الطبيعي في الحفاظ على ثقافتنا عنصرية، وأصبح اعتراضنا على الزحف الناعم لما يخالف الشرائع السماوية وتأباه تقاليدنا الأصيلة عنصرية.
ما سبق ذكْره صورة متكررة لمحاولات الهيمنة الثقافية التي تمارس علينا من قبل الغرب، والذي يشهر في وجهنا فزاعة التهم المعلبة إذا ما رفضنا تمرير قيمه ومفردات ثقافته، من إرهاب وتطرف وعنصرية ومعاداة السامية وغيرها من الألقاب التي تلجمنا ونعمل تحت سطوتها بما يُملى علينا.
من يرصد طوفان التنمر الذي يتفجر من الإعلام الغربي حيال أي صورة من صور الرفض في مجتمعاتنا للمثلية، ثم يقارنه بواقع العالم في الموقف من هذه الظاهرة، يدرك أن هناك محاولة متعمدة مغرضة لتصوير الأمر على أنه مناكفة حضارية، بين الحضارة الإسلامية العربية والحضارة الغربية، وكأننا وحدنا من نرفض هذا الأمر حتى يرمونا بالعنصرية.
إن هذا الحق الأصيل لنا في الحفاظ على ثقافتنا وصيانة الناشئة والأجيال الصاعدة من خطر زحف مثل هذه الثقافات، ينطلق من كونه أمرًا تأباه جميع الشرائع السماوية، فكل المسلمين والمسيحيين واليهود، يؤمنون بكونها أمرًا مذموما يخالف الفطرة ويعبر عن انتكاسة فطرية، وهو أمر مذموم لدى العرب منذ قديم الزمان إلى اليوم، تأباه نفوسهم، وحتى من ابتُلي بشيء من ذلك توارى به خجلا ولم يكن يجاهر به.
هل اتُهم البابا فرنسيس بالعنصرية عندما هاجم منذ بضع سنوات الزواج بين المثليين، ودانت الفاتيكان موقف أحد الكهنة المنتقدين للكنيسة الكاثوليكية في رفضها للمثلية؟
وقبل ثلاث سنوات، وقّع أكثر من مائتي حاخام إسرائيلي على خطاب يهاجم المثلية على إثر مظاهرات مطالبة بحقوق المثليين، وقالوا في رسالتهم إنها تعبر عن "الحقيقة الأبدية للتوراة المقدسة لدينا والوضع الطبيعي للإنسان، والتي تفضلها الأغلبية السليمة في إسرائيل" على حد قولهم، فهل اتهمهم العالم الغربي بأنهم عنصريون؟
الإعلام الغربي في هجومه على رفضنا لهذه الظاهرة واستنكارها، يتعامل مع القضية باعتبارها هي الأصل في المجتمعات الإنسانية، لا على أنها أمر غريب عنها، ولا أدل على ذلك من أن هناك رفضا واسعا لها على المستويات الرسمية والشعبية في العديد من دول العالم.
الرئيس الروسي بوتين شن في أكتوبر الماضي هجوما شرسا على الليبرالية الغربية منتقدا الدعوات الرامية لتعزيز حقوق المثليين والمتحولين جنسيا، مؤكدا على أن بلاده تلتزم بالقيم الروحية والتقاليد التاريخية الخاصة بها وضرورة الابتعاد عن الاضطرابات الاجتماعية والثقافية لدى الغرب، وكان بوتين قد وقع عام 2013 على قانون يحظر نشر مواد دعائية للمثلية الجنسية، وشملت التعديلات الدستورية مؤخرا منع زواج المثليين، والطريف أن الواشنطن بوست التي نشرت الخبر وانتقدت بوتين، لم تتهمه بالعنصرية مثلما يفعل تجاهنا الإعلام الغربي، بل قالت إنه يهدف إلى جمع المحافظين وأنصار القيم التقليدية حوله.
رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، أكد قبل بضعة أشهر أن بلاده لن تسمح للنشطاء المثليين بدخول رياض الأطفال والمدارس الابتدائية والتغلغل بين الأطفال، وذلك ردا على انتقادات نالت من سن الدولة قانونا يحظر الترويج للمثلية وتغيير الجنس بين القصّر، وضرب بانتقادات رئيسة المفوضية الأوربية أورسولا فون دير لاين عرض الحائط، والتي وصفته فقط بالقرار المخجل، مشيرا إلى أن تنشئة الأطفال تقع بشكل كامل ضمن مجال صلاحيات الدولة، بما يعني إداركه لخطر الترويج للمثلية على الناشئة، فلماذا لم يُتهم رئيس الوزراء المجري بأنه عنصري؟
وفي فنلندا، هاجم وزير الداخلية السابق، مسيرة فخر للمثليين، معتبرا ذلك نوعا من إقرار ما لا يرضاه الله، واصفا هذه العلاقات بالآثمة والمعيبة، هذا كلام وزير داخلية فنلندي سابق، وليس شيخا مسلما يخطب على منبر.
وفي إسبانيا، اكتسب حزب "فوكس" اليميني مكانةً بارزة في السنوات الأخيرة على إثر مهاجمة أحد مشرعيه في مدريد "مسيرة الفخر" للمثليين التي جابت شوارع العاصمة عام 2019 مبررا ذلك بأن الاحتفالات "تُشوه كرامة الناس" و"تُعبق وسط المدينة برائحة غير صحية لا يُمكن احتمالها".
وفي هنغاريا انسحبت الحكومة من مسابقة الأغنية الأوروبية، مبررة ذلك بأن الأغنية شاذة جدا بالنسبة إلى الحزب الحاكم المحافظ.
وفي بولندا شنت الحكومة القومية حملةً ضد ما وصفته بـ"أيديولوجية المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية" خلال انتخابات العام قبل الماضي، وألقى نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني تزامنا مع ذلك كلمة قوية في مؤتمر عالمي لمناصرة الأُسر الطبيعية، ومناهضة إعطاء حقوق التبني لمجتمع الـ "المايم" (المثليين).
وفي مايو الماضي خرج الآلاف من المواطنين في ليتوانيا في مظاهرات عارمة في عاصمة البلاد فيلنيوس، تعبيرا عن رفضهم لمشروع قانون يهدف إلى تشريع زواج المثليين، وأظهر تحقيق أوروبي أن 70% من الليتوانيين يعارضون زيجات المثليين.
إذن التعبير عن رفض المثلية الجنسية يقع في إطار حرية التعبير عن الرأي، فلماذا يكون محرمًا علينا أن نعبر عن رفضنا للمثلية ونُتهم على إثره بالعنصرية؟!
هناك ازدواجية في مفهوم حرية التعبير لدى الغرب، ففي الوقت الذي يمنحون لأنفسهم حق انتقاد ثقافتنا الإسلامية والعربية التي لا تشكل تهديدا حقيقيا للسلم المجتمعي، ينكرون علينا أخذ الاحتياطات في عدم تسلل ظاهرة المثلية - الغريبة على ثقافتنا - عن طريق الإعلان عن رفضها، بل وتُمارس على الأقليات المسلمة في الدول الأوربية ضغوط للتماهي مع الثقافة الغربية بحجة المواطنة والانتماء للدولة، حتى إن وزيرة فرنسية طالبت الأئمة المسلمين في فرنسا بتزكية زواج المثليين في خطبهم بالمساجد، على الرغم من علمها بأن تعاليم دينهم تأبى ذلك.
إننا نقر بحقوق المثليين في نيل الرعاية الصحية والنفسية من الحكومات باعتبارهم أصحاب أزمات ومشكلات لها مغبتها الاقتصادية والنفسية والاجتماعية والصحية لابد من مساندتهم في التخلص منها والانتظام في الحياة الطبيعية التي تفرضها طبيعة البشر وجبلتهم، هذا هو حقهم على حكوماتهم، أما فتح الأبواب لهم أمام المجاهرة بالمثلية وشرعنة الزواج المثلي بدعوى صيانة حقوقهم، فهو محض ادعاء، وهو أشبه برعاية إدمان المخدرات والترويج لها، فلا أرى فارقا بينهما في كونها حرية شخصية بالمفهوم الغربي، ولا أرى فارقا بخطر الأمرين على السلم المجتمعي.
لكن ما يهمنا في هذا الجانب، أننا لا ينبغي التواري برفض الزحف الناعم لتلك الظاهرة، بل ينبغي إعلان رفضنا في شتى المواطن والمحافل والمناسبات من باب التوعية لشبابنا وبناتنا والأجيال الصاعدة، حتى لا تتغلغل فينا تلك الثقافة دون أن نشعر، وليس في هذه الدعوة أي نوع من التطرف أو العنصرية، بل هو حقنا في الحفاظ على ثقافتنا التي نعتز بها، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وسوم: العدد 958