التعاطف مع الإمارات نفاق ومصلحة وشماتة فيها وكيد لها
توالت مواقف التعاطف مع الإمارات عقب هجوم " الإعصار اليمني " الذي قامت به جماعة أنصار الله على أراضيها . مجلس الأمن أدان الهجوم بالإجماع ، وأميركا أكدت التزامها بالدفاع عن الإمارات بعد أن لاذ جنودها بمخابئهم في قاعدة الظفرة خلال الهجوم . والجامعة العربية عقدت ، الأحد ، دورة استثنائية لمناقشة الهجوم ، وأمينها العام أحمد أبو الغيط أدان الهجوم ، وشدد على أن جامعته تقف مع الإمارات في مواجهته . وإسرائيل سارعت للصيد في المياه العكرة ، فأدانت الهجوم ، وعرضت المساعدة ، واجتهدت للتماهي والتماثل مع الإمارات بالقول إنها قد تتعرض لهجوم مشابه من أنصار الله . وانتشت الإمارات وابتهج قلبها من اتساع التعاطف وحرارته الظاهرة إلا أن انتشاءها وابتهاجها لم يخفيا صدمتها ، ومفاجأتها أنها في حقيقتها بيت من زجاج ، وأنها في الحرب والسياسة تلبس ثوبا فضفاضا يترهل على بدنها النحيل الهزيل رغم امتلاء جيوب الثوب بالمال ، وأنها غفلت عن هذه الحقيقة إلى مستوى تناسيها ؛ لأن جماعة أنصار الله لم تهاجم أراضيها مثلما هاجمت أراضي بلاد الحرمين أملا في تحييدها ، الإمارات ، ونجحت نسبيا في هذا بإعلان الإمارات الانسحاب من الحرب في 2019، والاتفاق ضمنيا مع جماعة أنصار الله على حرية العمل في الجنوب لاعتبارات محلية خاصة به ، ولاعتبارات سياسية خاصة بجماعة أنصار الله . ونقضت الإمارات الاتفاق بضغط من النظام السعودي عليها لتخفف عنه في الشمال اليمني ، وفي داخل أراضيه ، وبضغط من أميركا وإسرائيل وسواهما من القوى الغربية المنتفعة من الحرب ، فكان تدخل قوات العمالقة اليمنية التابعة لها الذي وقى مأرب السقوط في يد جماعة أنصار الله . ويبدو أن الإمارات لم يكن في ظنها أن جماعة أنصار الله سترد على نقضها للاتفاق الضمني ، وتراجعها عن انسحابها . فلما ردت انصعقت وولولت ، وركضت في كل صوب ، واستغاثت بكل من يغيث ، فتحركت الأطراف العربية والدولية للتعاطف معها ، وإدانة ما قامت به جماعة أنصار الله وكأنه لا سبب له ، وكأن الإمارات لم تبدأ الحرب أصلا مع ما سماه النظام السعودي التحالف العربي . وكل ما صدر عنها بعد الهجوم يصور حالة مرضية غريبة من التنكر للواقع والحقائق . وهذه إحدى سمات أنظمة الاستبداد والاستفراد بالقرار ، وفقدان الأطر المؤسسية لاتخاذه ، وانعدام حرية الرأي التي ترى الأخطاء وتحذر منها قبل وقوعها ، ودائما ترى عينان ما لا تراه عين واحدة . وبدل أن تتراجع هذه الدولة بعد الهجوم عن مواصلة الحرب في اليمن ، وتدرك أنه في النهاية لا قيمة لكل المواقف المتعاطفة معها ، وأنها المكلفة وحدها باستخلاص نفسها من المصيبة الطاحنة التي انزلقت إليها مع النظام السعودي ؛ انتشت بالتعاطف وسعت إلى زيادته ، والأسوأ أنها اندفعت في غارات جوية على اليمن قتلت وجرحت ما ينوف على مائة من الأبرياء ، وكان الأولى أن تمحص هذا التعاطف وتعي دوافع أصحابه . فمنهم المنافق ، ومنهم صاحب المصلحة ، ومنهم الشامت فيها ،ومنهم الكائد لها . ونظرة على هؤلاء المتعاطفين تحدد دوافعهم . على أنني أحب أن أقف عند الكائد ، وهو النظام السعودي . وظهر كيده سريعا في تهويله من هجوم أنصار الله أكثر مما يهول من هجومها على أراضيه ، وفي الاندفاع معها في الغارات الجوية على صنعاء والحديدة وصعدة . هولا يريدها أن تتركه وحيدا في الحرب ، ويسعده أن تتضاءل أو تنتهي ظاهرتها الاقتصادية خاصة في دبي القائمة على الاستثمار والسياحة وإعادة التصدير ، ويريد أن يتوجه هذا أو أكثره إليه ، وسبق له أن طلب من الشركات المقيمة في دبي وتعمل في بلاد الحرمين أن تنقل إليها مقراتها . ومدينة نيوم في غرب شمالي البلاد تسير في ذات التوجه ، ومن ثم فالمزيد من هجوم أنصار الله على الإمارات ينفع تطلعاته الاقتصادية . لو كانت القيادة الإماراتية على شيء من الحكمة وحرية القرار لانسحبت من كل الشأن اليمني بعد الهجوم الأخير ، واسترشدت بالحكمة القائلة : " رب ضارة نافعة " ، ونحن بيتنا من زجاج فما من موجب لأن نرمي بيوت غيرنا بالحجارة . انطبقت الحكمة السابقة على قطر أكمل انطباق . سحبت قواتها من اليمن بعد أن قلب لها النظام السعودي ظهر المجن ضاما إليه الإمارات والبحرين ومصر . الغارات الجوية لن تمحو الشعب اليمني ، ولن تدفع أنصار الله واللجان الشعبية للاستسلام . هاجمت إسرائيل غزة في عدوانها الأخير عليها بمائتي طائرة في بعض الغارات ،وغزة باقية شامخة ، نارية الإرادة ، وإسرائيل لا يكف قادتها وإعلامها عن الهذيان حول الأخطار المحدقة بها . وجماعة أنصار الله قليلة التهديد ، وهذه حكمة واتزان وشعور سوي بالمسئولية ، لكنها إن هددت نفذت . قال محمد عبد السلام القيادي في جماعة أنصارالله على قناة " الميادين " : " إن الإمارات دولة فاقدة العمق ، وإن الضربات عليها ستستمر ما دام العدوان على اليمن مستمرا . " . لا يتمنى الحرب عاقل ، ولا يستسهلها إلا أحمق جاهل ، ولن ينفع الإمارات التعاطف معها مهما اتسع ، وعليها المسارعة لاستخلاص رقبتها من هذه الحرب الغبية المجنونة .
وسوم: العدد 965