أميركا وإسرائيل تحولان جزيرة العرب ساحة صراع وحرب
أينما تحل أميركا وإسرائيل يتفجر الصراع والحرب والتوترات سواء أكان هذا الحلول منفردا أو مثنويا . تاريخيا ، كانت أميركا تحل وحدها مثلما فعلت في فيتنام وبقية جنوب شرقي آسيا ، ولما قويت إسرائيل صارت شريكا لأميركا خاصة في المنطقة العربية ، وهذا بديهي ومفهوم لكون هذه المنطقة مجالها الحيوي والأمني ، وما كان يحدث في السر بينها وبين بعض الدول العربية صار علنيا بعد توسع التطبيع العربي معها ، فاندفعت في علاقات عسكرية وأمنية واستخبارية مع المطبعين العرب الجدد شملت بيع أسلحة لهم ، وتدريبا لقواتهم واستخباراتهم ، وتأمينا مباشرا لقياداتهم السياسية . وشاركت في نوفمبر من العام الماضي في مناورات في البحر الأحمر مع أميركا والإمارات والبحرين ، والاثنين السالف ، شاركت في مناورات 60 دولة ومنظمة في الخليج العربي وخليج عمان وشمالي المحيط الهندي وبحر العرب . وعقدت مع البحرين خلال زيارة وزير دفاعها جانتس اتفاقيات دفاعية .
وتسوق نفسها في جزيرة العرب بصفتها قادرة على تأمين أنظمتها الحاكمة ، وأنها الخليفة الأفضل لأميركا في هذا الدور إذا ما قللت ، أميركا ، من دورها في المنطقة ، وانصرفت إلى مواجهة الصين وروسيا في مجالهما الحيوي والأمني ، ويحدث هذا التسويق في وقت يتصاعد فيه التوتر والتوجس من الحرب بين روسيا وأوكرانيا . وفي مسوغات التسويق أيضا أنها تواجه مع دول الجزيرة خطرا إيرانيا محدقا بالطرفين . ولن تكف عن هذا التسويق ، وستختلق في جزيرة العرب كل ما يسوغه ويديمه . وعلى فظاظة أميركا وجشاعتها في اعتصار أموال دول الجزيرة العربية الثرية التي وصفها ترامب منذ حين قريب بالكعكة ، والكعكة تغري بالالتهام ، فالمنتظر المحتوم أن تكون إسرائيل أسوأ وأخس من أميركا ، وأشد فتكا بمجتمعات هذه الدول لاعتقادها المترسخ في كل تفكيرها وتدبيرها أن وجودها ويثق التلاحم بإيهان المجتمعات العربية والإسلامية ، وأن تطبيعها مع الحكام لا مع الشعوب التي تكرهها كراهية لا وسيلة إلى إزالتها أو تخفيف حدتها ، ثم هي ذات طمع في شمال جزيرة العرب ، ولديها خريطة يظهر فيها هذا الشمال جزءا من " أرض إسرائيل " الكبرى ، أو دولة الامتداد من فرات العراق إلى نيل مصر . ولها نفس الطمع في المدينة المنورة ، وفي اليمن ، ومن غاياتها الحالية المرادة من توثيق علاقاتها بدول الجزيرة العربية تأمينُ تجارتها مع أفريقيا وآسيا ، وليس يفوتنا التذكير بأن لها قاعدة عسكرية في جزيرة دهلك في البحر الأحمر منذ عشرات السنين ، وكان لها دور سري فعال في تسليم مصر جزيرتي تيران وصنافير للنظام السعودي لتسهيل وتأمين حركتها التجارية والعسكرية في البحر الأحمر . والمقطوع به أنها لن توفر مستوى الأمن المطلوب لدول الجزيرة العربية أو بالأدق الدول الخليجية ، ولن تكون الخليفة الأفضل لأميركا للفرق المترامي بينها وبين أميركا في هذا المضمار ، وأنها لن تكون إلا عبئا ثقيلا على هذه الدول ، ومثيرة للصراع والحرب والتوترات بين هذه الدول وبين إيران ، وسيضيف وجودها العلني المباشر كثيرا من الزخم والاشتعال للحرب في اليمن ، ويفجر خلافات داخلية في مجتمعات هذه الدول من حراك قوى وطنية تعلم كل غايات إسرائيل في جزيرة العرب فضلا عن مقتها لها تاريخيا لاغتصابها لفلسطين ، وما يُسمَع الآن في هذه المجتمعات همسا رافضا لها قد يأتي وقت يظهر فيه عالي الصوت محفزا للتحرك ضد من فتح لها أبواب جزيرة العرب ، ولا يستخف بقوى الشعوب الكامنة إلا جاهل غافل ، وما كان مستبعدا استبعاد المستحيل قد يصبح واقعا وقوع السهل المتاح . وأي نظام يؤسس دعائم بقائه على قوى خارجية طامعة يضع هذا البقاء في مهب ريح قد تفاجئه من حيث لا يحتسب ، ولا دعائم آمن حقيقية وأدنى تكلفة بما لا قياس له سوى الدعائم الداخلية المؤسسة على الثقة بين النظام والشعب بابتعاد هذه الدول عن بالوعة الهيمنة القبلية للحكام إلى فضاء النظام السياسي المؤسسي الذي يشرك كل الشعب في تحديد إدارة شئون وطنه وخياراته السياسية في العلاقات الدولية. إسرائيل منذ أن دُق وتدها في الأرض العربية وهي مفجر صراع وحروب وتوترات ، وإذا كان الشام ومصر أول ضحايا هذا الوتد فالظاهر أنه أزف دور دول جزيرة العرب أو الدول الخليجية لتلحق بالشام ومصر في سجل ضحاياه ، ولحقت الجزائر بهما ، الشام ومصر ، منذ أن ظهرت إسرائيل للعلن في المغرب في علاقة رسمية ، فاشتد الخلاف بين الجارتين ، واتجهتا إلى سباق تسلح ، ويخشى أن تقع الحرب بينهما على خلاف إرادتهما لكون هذه الحرب إرادة إسرائيلية . والصراع والحرب والتوترات مصحوبة بنزيف شراء الأسلحة من أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ، وأضيفت إليها بعد التطبيع إسرائيل . وهذا الشراء بالوعة استنزاف بعيدة الغور لأموال هذه الدول ، وتكاد تكون هذه الأسلحة عديمة الفاعلية في خلق الأمن المنشود لها ، وهذه العدمية مقصودة ومرغوبة من الدول البائعة للسلاح حتى تواصل الدول المشترية الاحتياج إليه . سلاح جو الإمارات من 500 طائرة بقيادة جنرال أميركي راتبه الشهري 30 ألف دولار ، ويعززه نظام دفاع جوي ، ولم يكن له أي وجود في صد هجوم أنصار الله عليها ثلاث مرات حتى اللحظة ، ولا نتكلم عن ترسانة النظام السعودي الضخمة من السلاح ، وإخفاقها المخزي المذهل في الدفاع عن البلاد أمام قوة جماعة أنصار الله واللجان الشعبية على قلة ما في يديهما من سلاح وبساطة نوعيته ، وحالهما أمام الإمارات والنظام السعودي في فارق السلاح مثل حال غزة أملم إسرائيل التي تقدر هذا الفارق بواحد إلى ألف ، ومع هذا ردع الواحدُ الألفَ ، مثلما ردع واحد أنصار الله واللجان الشعبية ألفي الإمارات والنظام السعودي . وفي الأخبار أن الأردن المفتقر المبتئس سيشتري أسلحة من أميركا ب 4200 مليون دولار ، ولأن الأخبار تتحدث عن احتمال مشاركته في الحرب في اليمن فالمنتظر أن تمول الإمارات والنظام السعودي هذه المشتريات ، وبهذا يزداد عدد الدول المنزلقة إلى مستنقع هذه الحرب المهلكة الغبية . ولن ينتهي الصراع والحرب والتوترات في ساحة جزيرة العرب مادامت دول هذه الجزيرة خاضعة كليا لمشيئة أميركا التي انضافت إليها مشيئة إسرائيل المخربة الفتاكة . شخَص الرئيس المصري حسني مبارك استحالة الانتفاع من أميركا تشخيصا جامعا مانعا حين قال : " المتغطي بأميركا عريان " ، والمجزوم به أن المتغطي بإسرائيل أوسع وأسوأ عريا ، إنما من تخاطب يا أحمد شوقي لائما محذرا : " إلام الخُلْف بينكمُ إلاما ؟! في آذانهم وقر ، وعلى أبصارهم غشاوة . الثعلب الإسرائيلي الآن في حظيرة دجاج الخليجيين ، والذئب الأميركي لن يبارح مراعي قطعانهم السمينة مبارحة نهائية ، والويلات لهم من اجتماع الاثنين عليهم .
وسوم: العدد 967