بوكو حرام
وحديثي عن العنوان وليس عن المنظمة أو التنظيم...
وبوكو حرام في الحقيقة منظمة ترفع راية "الإسلامية" وتنشط في نيجيريا وبعض الدول القريبة منها، تحمل مشروعا يقال إنه متقارب مع مشروع تنظيم الدولة ومشتقاته العدمية ....
معلوماتي الشخصية عن المنطقة والجغرافيا والديموغرافيا شحيحة، ولا تؤهلني لأصدر الأحكام.
وفي شبابي قرأت رواية جميلة للكاتب الروائي المصري المبدع "نجيب كيلاني" تحت عنوان "عمالقة الشمال" أنصح أبناء الجيل بقراءتها. وما زلت أحفظ من تاريخ نيجيريا في أواسط القرن العشرين اسم "أبا بكر تفاوة" كنا نتناقل أنه رجل صالح، وكان له شريك في الصلاح أنساني الزمان اسمه. ما زلت أعتقد أن إنارة الجوانب المعتمة في أدمغتنا واجب مشترك على النخب، نتبادل المعرفة المجردة بعيدا عن المواقف المسبقة، مع أو ضد..
في متابعتي المتقاطعة لأخبار تلك المنطقة من العالم أن في تلك المنطقة تنظيمات من شتى الأديان شديدة التعصب وشديدة التوحش. لا أرى أن من المفيد أن نظل ندين إعلام الآخر لأنه يسلط الضوء على خطايانا وليس على قضايانا. ..وأنا لا أحب أن أكون داعية كراهية على أي مستوى من المستويات. ولكن صور بعض القرى مسورة بجماجم المسلمين أمر غير إنساني أيضا..
أعود إلى القول لا أملك ما يؤهلني لكتابة بحث في الجغرافيا والديموغرافيا في دول غرب أفريقيا ولكن نيجيريا بمساحة ما يقارب مليون كم2 وعدد سكان تيجيريا أكثر من 200 مليون نسمة مع ثروات معدنية وخامات وبترول ورزق وافر ومؤامرات دولية بحجم ما فيها من ثروات تستحق.
والذي أريد أن توقف عنده قليلا هنا هو دلالة العنوان "بوكو حرام" وماذا يعني أن يتخذه أفراد يظنون أنهم ينتمون إلى الإسلام، أو ينصرون الإسلام عنوانا!!!!
ورجعت إلى المعاجم أبحث عن معنى العنوان في لغة أهله "الهوسا" ، فوجدت الترجمة التالية "التعليم الغربي حرام" ويعنون بالتعليم الغربي، التعليم العصري أو المدرسي في صيغه الحديثة...!!
وتسألني أو أسألك من ألقى بذرة هذا القول في رؤوس هؤلاء القوم؟؟ ومن أين جاءت فكرة التمسك بالكتاتيب وتحريم إرسال الأولاد والبنات إلى المدارس حيث تقبع الحرمة أو يقبع الشيطان كما يظنون؟؟
لا أريد أن أدخل في جدل حول عصمة أو كمال المناهج المدرسية، وكلنا درسنا وتعلمنا وتخرجنا في مدارس على الطراز الغربي. وكان في مناهجنا التي حفظنا:
هبوني دينا يجعل العرب وحدة...وسيروا بجثماني على دين برهم..
الذي أريد أن أشير إليه هو ظاهرة أوسع وأخطر وأكثر انتشارا في حياتنا "المحافظة" وأستعمل كلمة المحافظة لأنني أريد أن أعفي وصف الإسلامية من ذم..
فهذا الفقه الانسحابي الاتقائي المعتزل الخائف المتخوف من أين؟؟، صحيح أننا في بلادنا لم نواجهه على مستوى "المدرسة" للبنين والبنات، ولكننا واجهناه على مستويات أخرى كثيرة أيضا..
مرة حكى لنا أستاذ الفيزياء الوقور في ثانوية المأمون عن إحدى المعضلات التي واجهته في عهد التلمذة: والده الذي يفرض عليه لبس القمباز ولا يسمح له بالخروج بغيره/ ووالدته الحنون العاقلة، تقول له اخرج من البيت بالقمباز ليرضى أبوك، وعلى باب المدرسة احشر القمباز في البنطلون ويحدثنا ووجهه محمر عن تلك المعاناة..
أريد أن أستنبط من عنوان "بوكو حرام" وأيا تكن ترجمتها الحرفية في لغة القوم أن هذه الحالة السائدة على مستويات مختلفة من الحالة الإسلامية رجراجة الالتزام تعني الكثير، ولعل مثلها الصارخ في نيجيريا رفض التعليم المدرسي.
عندما قرأت "كتاب الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في العالم الإسلامي" _ أبو الحسن الندوي لحظت شيئا من هذه الحملة على نظام التعليم المدرسي. لا أزعم أن نظام التعليم المدرسي معصوما. ورأيت من الإمام الندوي رحمه الله حملة صميمة على المرحوم "وحيد الدين خان" مات منذ أكثر من عام .. بعض معاني "بوكو حرام"
تحكم حالتنا قاعدة تقول: سد الذرائع. ويشرحها مثل شعبي: "النافذة التي يأتيك من الريح سدها واستريح". فكيف وفي الريح إعصار، وفي الرياح لواقح...
كل هذا يدعونا إلى موقف أكثر منهجية، وأكثر شرعية، أكثر عصرية ..
من جامعات الغرب تخرج محمد إقبال.. ومنها نفسها تخرج جيل من العلماء الحكماء الذين تشد إلى علومهم الرحال.
عشنا في عصر قالوا لنا الرواية كذب، والمسرحية تدجيل. والسينما والتلفزيون والمسرح حرام. وأسمعهم أو أقرؤهم اليوم يحذرون الأجيال: وسائل التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية ووو.....
أحسنْ تعليم ولدك العوم ومصارعة الأمواج، ثم لا تخف عليه من البحار..مواجهة التحديات طبيعة العصر، فلا نهرب، ولا نتقوقع، ولا نجرب الجلد الشوكي.
أنا لا أحدثكم عن نيجيريا بل أحدثكم عن كثير بين ظهرانينا يرفعون عنوان "بوكو حرام" أو عيش الحاضر أو المستقبل حرام .
وكان بعض مشايخنا يكرر على مسامعنا: على مدير الكاس أن ينهى الجلاس...
لم يخطر ببالنا أن نسأل مدير الكاس أين يكون؟؟؟
وسوم: العدد 969