بعض العرب إذ يتحالفون مع إسرائيل ضد الفلسطينيين
ثلاث دول عربية تبذل جهوداً مضنية من أجل التهدئة في القدس والمسجد الأقصى، وتقوم بمساع بعضها علني وآخر سري من أجل تخفيف الاحتقان هناك والتقليل من مخاوف الانزلاق نحو المواجهة، وهذه المساعي تبدو في الظاهر أنها لمصلحة الفلسطينيين وحقن دمائهم، لكن الحقيقة أن هذه الجهود ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
الدول العربية التي سارعت منذ بداية شهر رمضان للعمل من أجل التهدئة في القدس المحتلة وتخفيف الاحتقان في المسجد الأقصى، كانت شبه غائبة العام الماضي عن حرب ضروس بدأت في القدس، ثم امتدت إلى كل الأرض الفلسطينية، وشهدت أعنف عدوان على قطاع غزة استمر 14 يوماً متواصلة.
ما يحدث أن الوساطات العربية لا تظهر – بكل أسف – إلا عندما يفشل الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق أهدافه، ويريد الخروج من أزماته محافظاً على ماء الوجه، وهذا ما رأيناه العام الماضي وتكرر هذه المرة، إذ سارعت بعض الأنظمة العربية بعد اندلاع «معركة سيف القدس» للوساطة من أجل التهدئة، وذلك بعد أن مرت عدة أيام على بداية الحرب، وفشل الإسرائيليون في تحقيق أي من أهدافهم، ولم يعد أمامهم سوى البحثُ عن مخرج. تتكرر الحكاية في رمضان الحالي، ولكن بصورة أوسع ومشاركة دول عربية أكثر، حيث تبذل عدة أنظمة عربية جهوداً للتهدئة في القدس، وذلك عبر الضغط على الفلسطينيين، أو عبر استخدام بعض الموظفين التابعين لدول عربية في عمليات التصدي لأي احتجاجات فلسطينية – كما كشفت مؤسسة القدس الدولية في بيان سابق لها – وبينما تلعبُ أنظمتنا العربية هذا الدور فإذا بالاحتلال يمنع المسلمين من الوصول إلى الأقصى، والمسيحيين من الوصول إلى كنيسة القيامة ويواصل التصعيد. بات واضحاً أن ما تقوم به بعض الأنظمة العربية حيال ما يجري في فلسطين يتم تنسيقه مع الاحتلال بدلاً من الفلسطينيين، ويصب في خدمة إسرائيل وليس الشعب الفلسطيني، كما أن هذه الأنظمة على أهبة الاستعداد دوماً للوساطة عندما تكون إسرائيل في أزمة، بينما تغيب عندما يحتاج الفلسطينيون هذه الوساطة.
وهذا الانحياز للإسرائيلي على حساب مصالح الفلسطينيين، إنما هو أحد إفرازات موجة التطبيع العربي الأخيرة مع الاحتلال، وهي الموجة التي كشفت عن تحالف بعض الأنظمة العربية مع إسرائيل وممارستها الضغوط على الفلسطينيين، وثمة أوجه وعلامات كثيرة لذلك أبرزها، أن الاسرائيلي أصبح يتجول في عواصم عربية من دون الحاجة لتأشيرة دخول ولا إقامة ولا كفيل، بينما لا يجد الفلسطيني مكاناً سوى السجون السرية وأقبية التحقيق، كما أن الأنظمة العربية ذاتها تُمارس الضغوط والابتزاز على السلطة الفلسطينية من أجل دفعها لتقديم مزيد من التنازلات بدلاً من ردعها عن التنازل أمام الاحتلال، وما زلنا نتذكر كيف أن بعض المساعدات العربية تم حجبها عن السلطة، بسبب رفضها لمشروع «صفقة القرن» الذي طرحه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. نحن باختصار أمام واقع عربي رديء، بل هو بالغ الرداءة، إذ حتى المسجد الأقصى لم يعد يعني بعض العرب في شيء، وصار الاعتداء الإسرائيلي عليه لا يُحرك ساكناً لدى النظام الرسمي العربي، بل حتى على المستوى الشعبي رأينا تظاهرات كبيرة في لندن وبرلين وعواصم أوروبية وغربية بينما لم نسمع عن احتجاج عربي واحد تضامناً مع القدس.. ووصل واقعنا العربي الى ما دون القاع بأن نجد بعض الأنظمة العربية تنحاز للاحتلال وتتحالف معه وتقدم له الخدمات على المستويات كافة.
لكن بالمقابل فإن الأحداث الأخيرة خلال الأيام الماضية تؤكد ما ذهبنا إليه العام الماضي، وهو أن «معركة سيف القدس» فرضت واقعاً جديداً في الأرض الفلسطينية، وقواعد جديدة للصراع، وأصبح الاحتلال يخشى من التصعيد في القدس، لأن تكلفته أصبحت عالية، ويمكن أن يؤدي إلى مواجهة مفتوحة في كل الأراضي الفلسطينية، وهذا ما يُفسر منع الحكومة الاسرائيلية لمسيرة الأعلام التي كانت السبب الرئيس لاندلاع الحرب العام الماضي.
وسوم: العدد 978