العلاقة الروحية بين وباء كورونا وحرب أوكرانيا
خواطر من الكون المجاور
الخاطرة ٣١٠ :
منذ أكثر من شهرين ونصف وموضوع حرب روسيا - أوكرانيا لا يزال يتصدر وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي العالمي . ورغم محاولات بعض الدول في جمع الطرف الروسي مع الطرف الأوكراني للتوصل إلى إتفاق يرضي الطرفين لوقف الحرب ولكن ومع ذلك لم تأتي تلك المحاولات بأي نتيجة إيجابية والأمور عالميا تسير من السيء إلى الأسوأ وكأننا في حرب عالمية ثالثة ولكن من نوع آخر مختلف تماما .
الحرب الروسية - الأوكرانية قسمت العالم إلى ثلاثة أقسام : قسم غربي يؤيد الحكومة الأوكرانية ويهاجم بشدة الرئيس الروسي فلادمير بوتين ، وقسم شرقي يؤيد الرئيس بوتين ويهاجم المعسكر الغربي ، وقسم ثالث حيادي يحاول أن يقف بين الطرفين كمشاهد فقط . من يتابع تلك الحجج التي يقدمها كلا الطرفين ، سيجد أن كل طرف متمسك بقوة بآرائه ويدافع عنها بشتى الحجج . فنحن اليوم -وللأسف- نعيش في زمن تنبأ به قبل أكثر من /١٥٠ / عام الأديب الروسي فيودور ديستوفيسكي حين قال (إذا لم يكن الله موجود فإن كل القيم والأخلاقيات تسقط عن نفسها ويصبح كل شيء مباح من أصغر الذنوب حتى أبشع الجرائم) ، فالإيمان بالله لا يعني فقط إقامة أركان الدين (الشهادة ،صلاة ، صيام، زكاة ، حج) فأركان الدين هي مجرد وسيلة لتحقيق أهم ركن من أركان الإيمان (العمل الصالح) ، فالعمل الصالح يحدد نوعية سلوك الإنسان وهو مرآة تعكس حقيقة تكوينه الروحي ، فالإنسان في الجنة رغم أنه كان يؤمن بوجود الله ومع ذلك تم طرده منها . فمبدأ العمل الصالح هو أن يشعر عقلك الباطني بأن كل إنسان على سطح الأرض يحتوي في تكوينه الروحي على جزء من روح الله ، هذا الشعور سيدفعك بشكل عفوي في رؤية محاسنه قبل سيئاته وهذا بدوره سيمنحك قوة الصبر على تحمل سلوكه المسيء لك ، وسيدفعك بإستمرار إلى مسامحته ومحاولة التقرب منه لإزالة تلك الخلافات بينك وبينه . فالإنسان خارج الجنة هو كائن ناقص ويحتاج إلى التعاون مع الآخرين للوصول إلى الكمال . ولكن اليوم وبسبب ذلك التشويه الذي حصل في هوية جميع الديانات العالمية أصبحت الديانات بشكلها الحالي ينطبق عليها الحديث الشريف (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ) كونها أصبحت اليوم لا تسمن ولا تغني من جوع . فالمشكلة الكبرى التي يعاني منها عصرنا الحديث -كما ذكرنا في العديد من المقالات الماضية- هي الإنحطاط الروحي في المنهج العلمي الحديث الذي وصل به الأمر الآن إلى مستوى عمى البصيرة ، فعمى البصيرة يجعل الإنسان يرى مصالحه فقط أما واجباته نحو الآخرين فلا يراها كونه أعمى . في عالم يعاني من عمى البصيرة يصبح فيه الإنسان يعتقد أنه على حق فيما يفعله ويصبح كل شيء مباح من أصغر الذنوب إلى أبشع الجرائم . لهذا هنا في هذه المقالة لن نتكلم عن أي طرف هو على صواب وأي طرف هو على خطأ ، أو من سيفوز ومن سيخسر في النهاية في هذه الحرب ، ولكن سنحاول إستخدام الرؤية الشاملة (روحية ومادية) لنلقي الضوء على مضمون المشكلة لنتوصل إلى فهم حقيقة ما يحدث اليوم في هذا العالم .
قبل حوالي سنتين ونصف وبسبب إنتشار وباء كورونا دخلت دول العالم في أزمة إقتصادية وإجتماعية شديدة نتيجة فرض قرار التباعد الإجتماعي والذي سبب إغلاق العديد من المصانع والشركات والمحلات التجارية وإغلاق كل مكان يسمح فيه لتجمع الناس ، والذي دفع جميع حكومات العالم من إستخدام صندوقها المالي الإحتياطي لمعالجة الموضوع . ولكن ما أن بدأت منظمات الصحة العالمية الإقتراب من السيطرة على الوباء ليسمح للحركة الإقتصادية والإجتماعية في العودة إلى شكلها الطبيعي ، بدأت حرب أوكرانيا لتقلب الأمور ثانية رأسا على عقب . فبسبب هذه الحرب إرتفعت أسعار الكثير من المنتجات الهامة كالطاقة (البترول والغاز) والحبوب والأسمدة والتي تعتبر من أهم السلع الضرورية لإستمرار الصناعة والتجارة والزراعة والذي راح يهدد الأمن الغذائي العالمي . فتأثير غلاء هذه السلع لم يكون كارثيا فقط على الدول النامية التي بطبيعة الحال تعيش أزمة شديدة من جميع نواحي الحياة بسبب إقتصادها المنهار أصلا ، ولكن أيضا أصبحت شعوب الدول المتقدمة تعاني من هذه الأزمة ، فبدلا من أن تتخذ هذه الدول موقف حكيم يساعد على وقف إطلاق النار ، نجد أنها ساهمت في تصعيد الأمور أكثر فأكثر . فالولايات الأمريكية في بداية الأزمة تصرفت وكأن أمر أوكرانيا لا يهمها كثيرا فشجعت الجيش الروسي في الدخول إلى الأراضي الأوكرانية وجعلت العالم بأكمله يظن بأن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا لن تستغرق سوى أيام قليلة لتحقق أهدافها ، حتى أن أمريكا أعلنت بأنها ستساعد الرئيس الأوكراني فلودمير زيلنيسكي بالهروب من أوكرانيا وأنها ستسمح له باللجوء إليها . ولكن عندما إنتشر الجيش الروسي في الأراضي الأوكرانية ووصل إلى أطراف العاصمة الأوكرانية عندها نجد الولايات المتحدة تكشف للعالم خدعتها وتقلب الأمور رأسا على عقب ، فتحولت الأمور من عملية عسكرية تستغرق أيام إلى حرب حقيقية طويلة الأمد ليس بين روسيا وأوكرانيا كما هو في الظاهر ولكن أصبحت حرب بالوكالة بين روسيا وحلف الناتو تحت إدارة أمريكا وبريطانيا . فعدا المساعدات العسكرية واللوجستية التي قدمها حلف الناتو للجيش الأوكراني ، أيضا تم فرض حجم من العقوبات على الحكومة الروسية لم يعرف مثلها التاريخ من قبل، حيث أصبح هدف أمريكا وحلفائها ليس فقط منع روسيا من الإنتصار في أوكرانيا ولكن تدمير هيبة الرئيس بوتين وحذفه من الوجود السياسي مهما كلف الثمن ، وبما أن روسيا هي ثاني أقوى دولة عسكريا في العالم فالثمن سيكون باهظ جدا ستدفعه جميع شعوب العالم .
للأسف اليوم هناك بضعة أشخاص يعانون من عمى البصيرة يلعبون بمصير الإنسانية بأكملها . فيمكن لشخص واحد من هؤلاء بضغطة زر فقط أن يحول هذه الحرب إلى حرب نووية شاملة قد تدمر الإنسانية ومعظم أشكال الحياة على سطح الكرة الأرضية . ولكن الحمدلله أنه لا يوجد بينهم شخص مجنون سيقبل على نفسه أن يأمر باستخدام الأسلحة النووية ، فجميع هؤلاء هدفهم هو تأمين مصالحهم الشخصية أولا ، فقيام حرب نووية يعني عملية إنتحار جماعية ومثل هؤلاء هم أول من سيخشون على أنفسهم . فأن يُقتل أمام أعينهم الملايين فلن يُحرك مشاعرهم ولن يحسبوا له أي حساب ، ولكن أن يُقتلوا هم فكل شخص منهم سيحسب للأمور ألف حساب . لهذا فإن إحتمال نشوب حرب نووية عالمية بسبب الحرب في أوكرانيا هو أمر مستحيل ، فإحتمال حدوث إنتحار الإنسانية يعارض ما ذُكر في القرآن الكريم والكتب المقدسة وحدوثه يعني أن الله فعلا غير موجود وأن كل الأمور في الكون تحدث عن طريق الصدفة . ولكن هذا غير صحيح فمن يتمعن جيدا في تطور الكون ، المادة ، الحياة ، الديانات ، الحضارات ، سيجد أن التطور يسير وفق مخطط إلهي محدد ، وسنعرض هنا مثال كدليل واضح على وجود تسلسل زمني منظم يؤكد وجود خطة إلهية واضحة ، وفي الوقت نفسه هذا المثال سيساعدنا في فهم حقيقة ما يحصل اليوم :
- في بداية القرن (٦) قبل الميلاد ، تحصل حادثة دمار هيكل سليمان عليه السلام (عام ٥٨٧ ق.م) ، ولكن في نفس الفترة الزمنية أيضا يولد الفيلسوف بيثاغوراس في اليونان ، ويولد بوذا في الهند ، ويولد كونفوشيوس في الصين . إذا تمعنا جيدا في تعاليم هؤلاء الحكماء الثلاثة سنجد أنها تحمل في داخلها مبادئ حكمة سليمان عليه السلام وكأن هؤلاء الثلاثة كانوا من تلامذته . لهذا نجد أن كل واحد من هؤلاء الثلاثة أخذ في نفوس شعبه مكانة الأنبياء . {.... إِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ(٢٤) فاطر} .
- بعد (٦) قرون من ظهور هؤلاء الحكماء الثلاثة ، يظهر عيسى عليه الصلاة والسلام. ويأتي بديانة جديدة وهي المسيحية . وبعد (٦) قرون من ظهور الديانة المسيحية الأمة المسيحية تدخل في عصر الإنحطاط .
- بعد (٦) قرون من ظهور المسيحية ومع دخولها في عصر الإنحطاط ، يظهر محمد صلى الله عليه وسلم ويأتي بديانة جديدة وهي الإسلام ، فتولد الحضارة الإسلامية وتقوم بتطوير جميع أنواع العلوم .
- بعد (٦) قرون من ظهور الإسلام تتوقف الأمة الإسلامية عن إنجاب العلماء وتدخل الحضارة الإسلامية في عصر الإنحطاط ، وتظهر بدلا منها حضارة جديدة وهي حضارة عصر النهضة في أوروبا .
- بعد (٦) قرون من ظهور حضارة عصر النهضة ، يظهر ماركس وداروين وأميل زولا وبول سيزان وغيرهم من أصحاب الذوق الوحشي في آرائهم العلمية والفكرية ورغم تقدم العلوم والتكنولوجيا ولكن الإنسانية بأكملها تدخل في عصر الإنحطاط الروحي .
نحن اليوم نعيش في مرحلة مشابهة لمرحلة دمار هيكل سليمان الذي حصل في بداية القرن السادس قبل الميلاد ، ولكن الفرق أن دمار الهيكل في تلك الفترة لم يكن المقصود منه الدمار الحقيقي ولكن تجديد هذا الهيكل ليدخل في مرحلة جديدة ، ولهذا نجد أن في نفس الفترة التي حصل فيها دمار هيكل سليمان ظهرت في العالم /٣/ حضارات جديدة معا ، /٢/ منها في الشرق : الصين (كونفوشيوس) والهند (بوذا) وتمثل الرمز اليميني (٨) من الرمز الإلهي (١٨) ، و/١/ منها في الغرب في اليونان (بيثاغوراس) ويمثل الرمز اليساري (١) من الرمز (١٨) . فظهور هذه الحضارات الثلاث التي ستمهد تشكيل هيكل سليمان الجديد كانت عبارة عن رمز يوضح حقيقة المرحلة الجديدة التي يسير عليها التطور الروحي للإنسانية وهي محاولة تنويع في العلوم والمعارف بين الشرق والغرب لتتحول إلى طاقة بشرية عالمية متجانسة تقوم بتكوين كتلة روحية متكاملة ينتج عنها كائن كامل في المستقبل . أما الحرب في أوكرانيا فلها معنى مناقض تماما ، فهذه الحرب كانت عبارة عن تكوين مجموعات عديدة متناقضة كرمز روحي لمحاولة تدمير هيكل سليمان الجديد تدميرا شاملا يشارك في تدميره جميع دول العالم الشرقية والغربية بشكل مباشر أو غير مباشر . وسنحاول شرح هذه الفكرة بشكل أوضح :
إن إختيار اسم (سليمان) ليكون اسم هذا الهيكل لم يكن صدفة ولكن حكمة إلهية ، فكما يذكر سفر أخبار الأيام الأولى (١٧ : ١٢) أن هيكل سليمان كان أول معبد لله في قوم إسرائيل بعد خروجهم مع موسى عليه السلام من مصر ، وأن الله قد منع النبي داوود عليه السلام من بناء هذا المعبد كون يداه كانت ملطخة بالدماء ولهذا أمره الله أن يدع بناء الهيكل إلى إبنه سليمان عليه السلام لأن يداه كانت نظيفة من سفك دماء أي إنسان . فمعنى اسم سليمان هو (رجل السلام) ، فأهم صفة من صفات إنسان الجنة (الإنسان الكامل) هي تلك الصفة التي ذكر الله على لسان إبن آدم في القرآن الكريم {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (٢٨) المائدة} فسبب طرد الإنسان من الجنة هو تلك الخطيئة التي كان نتيجتها ظهور غريزة القتل في قايين الذي قتل أخيه هابيل . فظهور مريم العذراء في نهاية القرن السادس بعد دمار هيكل سليمان هو حكمة إلهية توضح حقيقة معنى هذا الهيكل فالتكوين الروحي لمريم العذراء هو رمز لتصحيح تلك الخطيئة التي شوهت التكوين الروحي لحواء ، ولهذا أنجبت مريم عيسى عليهما الصلاة والسلام ، ولهذا كانت تعاليم عيسى عليه السلام ترفض قطعيا إستخدام العنف والسلاح لأي سبب كان بسبب خلو تكوينه من غريزة القتل ، وقد أشار الحديث الشريف إلى هذه الحقيقة (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخاً من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه)، فتسمية آخر ديانة سماوية بإسم (إسلام) ليس صدفة ولكن حكمة إلهية فكلمة ( إِسلام ) على وزن كلمة ( إعلام ) التي مصدرها الأول هو كلمة (عِلم ) ، وكلمة ( إسلام ) مصدرها كلمة ( سِلم ) . معنى ( إِعلام ) هو نشر المعلومات أي نشر العلم ، والمعنى الحقيقي لكلمة ( إسلام ) هو نشر السِلم أي تنمية عاطفة السلام في نفوس المؤمنين من أجل القضاء على غريزة القتل . فأحد أسماء الجنة هو (دار السلام ) ولهذا أيضا يذكر القرأن الكريم بأن جميع الأنبياء كانوا مسلمين ، والمقصود هنا بكلمة ( مسلمين ) ليس معناها الحرفي المتعارف عليه عند المسلمين ، أي أنهم كانوا يصلون /٥/ مرات يوميا ، أو كانوا يصومون في رمضان ، أو يحجون إلى الكعبة كما يفعل المسلمون اليوم ، ولكن الأنبياء كانوا مسالمين في تكوينهم الروحي ويدعون إلى تنمية عاطفة حب السلام في نفوس المؤمنين ، فاليوم هناك أشخاص يعتنقون المسيحية أو اليهودية أو البوذية أو الهندوسية تنطبق عليهم صفة المسلم (بمعناها الروحي) أكثر من أولئك المسلمين المتعصبين الذين يؤججون الفتن والعداوة بين المذاهب والأديان . إن تنمية عاطفة السلام والقضاء على غريزة القتل في التكوين الإنساني لا يتحقق إلا من خلال توحيد التكوين الإنساني بين الشعوب للوصول إلى الإنسان الكامل المناسب للعودة إلى الجنة . وهذا التوحيد يتطلب تعاون الشعوب مع بعضها البعض كما تقول الآية الكريمة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣)الحجرات} . فالسلام مثل الضوء الأبيض فحتى نحصل عليه يجب علينا توحيد ألوان قوس القزح مع بعضها البعض ، فكل لون من هذه الألوان هو رمز لصفة حسنة وضعها الله في أمة معينة فمع توحيد جميع محاسن الأمم عندها نحصل على تكوين إنساني كامل خالي من غريزة القتل .
ولكن الذي حصل وجعل الأمور تسير في طريق خاطئ ، أنه في القرن /١٩/ بدأت تظهر محاولات لتدمير الهوية الحقيقية للتكوين الإنساني ، حيث ظهرت نظرية داروين التي تتدعي أن أصل الإنسان قرد والتي تحمل في مضمونها معنى أن الإنسان هو كائن مثل بقية الحيوانات ولا يملك في تكوينه جزء من روح الله التي نفخها في آدم والتي نفخها أيضا في مريم العذراء لتحمل وتنجب دون أن يمسها رجلا . وظهرت كذلك مؤلفات كارل ماركس الفيلسوف المزيف التي تعتمد على عقيدة أن الله غير موجود وأن قصص الكتب المقدسة مجرد خرافات . وعلى الصعيد الأدبي أيضا بدأت تظهر روايات تعتمد على تشوه التكوين الإنساني والتي من أهمها روايات أميل زولا (الوحش داخل إنسان ، الوحش البشري ، السكير ، غانية باريس ...) والتي وصفها الأديب النرويجي هنريك إبسن بأنها عبارة عن إستحمام في مياه مجاري الصرف . وفي الفن التشكيلي كذلك ظهرت لوحات بول سيزان (صديق أميل زولا) مؤسس المدرسة التصويرية الحديثة والتي مهدت لظهور تيارات الفن الحديث المختلفة ، حيث نقاد الفن في تلك الفترة وصفوا لوحات بول سيزان بعبارة واحدة (ذوق وحشي همجي) ولهذا رفضوا عرضها في معرض باريس . هؤلاء الذين كانوا من المنبوذين في تلك الفترة ، أصبحوا اليوم الآباء الروحيين للمنهج العلمي الحديث والذي عليه يتم تأليف كتب دور التعليم والثقافة في جميع أنحاء العالم ولهذا نجد ولأول مرة في تاريخ البشرية أن الجريمة قد دخلت عالم الطفولة لتشوه الفطرة الإلهية في الأطفال ولتجعل منهم وكأنهم من سلالة قايين ولا علاقة لهم بالتكوين الروحي لهابيل ، وكأن حب العنف والإجرام موجود عندهم بالفطرة وليس بسبب تدمير البيئة الروحية لعالمهم الطفولي .
إن ولادة مريم العذراء عليها السلام والتي كانت رمز إلهي لهيكل سليمان الجديد في فلسطين بالذات وليس في بلد آخر لم يكن صدفة ولكن حكمة إلهية . فمنطقة فلسطين تعتبر منطقة إتصال الشرق بالغرب (آسيا وأفريقيا) . وأيضا أوكرانيا التي تحدث فيها الحرب اليوم ليست صدفة ولكن حكمة إلهية ، فهي أيضا منطقة ترمز إلى منطقة إتصال الغرب بالشرق (آسيا وأوروبا) . فرغم أن روسيا - والتي هي أيضا تحمل نفس الرمز - في القرن التاسع عشر حاولت أن تلعب دور في توحيد الشرق مع الغرب من خلال أعمال المثقفين الروس أمثال تولستوي وديستوفسكي وتشيخوف وغيرهم الذين أرادوا القيام بثورة مخملية مختلفة عن الثورة الفرنسية ، ثورة بنوعية جديدة تحمل جميع محاسن حضارة عصر النهضة والأديان السماوية ، تقوم بتغيير أمور البلاد بطريقة إنسانية بحيث تجعل الغني يشعر بآلام الفقير والقوي يشعر بحقوق الإنسان الضعيف ، والرجل يشعر بحقوق المرأة ، والكبير يشعر بحقوق الأطفال، ولكن وجود راسبوتين وغيره من رجال الدين في روسيا الذين خرجوا عن تعاليم الدين المسيحي ووقفوا مع الظالم ضد المظلوم جعلوا الشعب الروسي يحقد على الدين وعلى رجال الدين ، فسمحوا للفكر الماركسي في الدخول إلى روسيا ليُشعل الحقد والكراهية وحب الإنتقام في نفوس أفراد الشعب من حكامهم المستبدين فتحولت الثورة الروسية من ثورة مخملية تسيطر عليها عاطفة السلام إلى ثورة دموية تسيطر عليها غرائز حيوانية أبشع بكثير من الثورة الفرنسية . من هذه الثورة الدموية الروسية ولد إتحاد عالمي ملحد يُسمى (الإتحاد السوفيتي) يدعي أنه يسعى إلى إقامة العدالة والحرية والمساواة لأفراد جميع شعوب العالم . ولكن سرعان ما كشف عن حقيقته ليؤكد بأنه نظام ديكتاتوري ولكن بنوعية مختلفة عن أباطرة الروس . لهذا لم يستطع هذا النظام الجديد الصمود وكانت النتيجة إنهياره بشكل فاضح بعد /٧٤/ عام فقط من تأسيسه. حيث تحولت جمهوريات هذا الإتحاد إلى دول متعادية فيما بينها وكأنهم الأخوة الأعداء .
وبما أن روسيا السوفيتية كانت هي من تقود المعسكر الشرقي . لهذا بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي أصبحت روسيا روحيا تابعة للشرق (آسيا) وليس للقارة الأوروبية الغربية .لذلك حلت محلها أوكرانيا لتكون روحيا هي بمثابة فلسطين الجديدة التي تصل الشرق بالغرب . فأسم أوكرانيا يعني (طرف ، أقصى) أي أن أوكرانيا هي الطرف الشرقي للغرب أو هي أقصى الشرق بالنسبة للدول الغربية .
روسيا وأوكرانيا تقعان على شمال البحر الأسود ، روسيا على الجهة اليمنى وأوكرانيا على الجهة اليسار. وكما ذكرنا في مقالات ماضية بأن البحر الأسود قبل /٨/ آلاف عام كانت بحيرة ذات مياه عذبة وأسميناها رمزيا (بحيرة حواء) وأن على ضفاف هذه البحيرة عاش شعب في هذه المنطقة لمدة آلاف السنين وأن سكان هذا الشعب كان يمثل نموذج من إتحاد عدة جماعات أتت (قبل ١٢ ألف عام) من أماكن مختلفة من الشرق والغرب ليعيشوا معا بسلام وكأنهم شعب من عائلة واحدة يوجد بينهم رابط واحد هو حبهم للسلام والتعاون مع الآخرين . في هذه المنطقة إستطاع شعبها إكتشاف الزراعة لأول مرة في تاريخ البشرية ، فكانوا يعتمدون في تأمين غذائهم على الزراعة وصيد الأسماك . ولكن قبل حوالي/٨/ آلاف عام جاءت من الغرب جماعات همجية وحاولت الإستيلاء على خيرات هذه البلاد ، وكون سكان بحيرة حواء أناس مسالمين خالين من غريزة القتل لهذا فضلوا هجر بلادهم وتركها لأولئك المتوحشين بدلا من الخوض معهم في معارك يكون نتيجتها تشوه تكوينهم الروحي {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (٢٨)المائدة} . فتركوا بلادهم وهاجروا نحو الجنوب نحو شمال شرق سوريا وسكنوا هناك وقاموا بتأسيس حضارة حلف ثم حضارات ما بين الرافدين . شعب بحيرة حواء هذا كان رمز سلالة نوح عليه السلام والذي منه ظهر إبراهيم والأنبياء والرسل عليهم السلام . فبعد نزوح شعب بحيرة حواء من سواحل البحيرة بسنوات حدث زلزال عنيف في الجنوب الغربي لبحيرة حواء أدى إلى إنشقاق الأرض في منطقة اليابسة بين بحيرة حواء وبحر المرمر والذي أدى إلى تدفق غزير من مياه بحر المرمر إلى بحيرة حواء حيث أحدث نوع من التسونامي قضى على جميع تلك الجماعات الهمجية التي استولت على المنطقة ، هذا الطوفان كان رمز طوفان نوح المذكور في الكتب المقدسة ، حيث أدى إلى تحول بحيرة حواء ذات المياه العذبة إلى بحر مالح والمعروف اليوم بأسم البحر الأسود بشكله الحالي . اليوم في شمال البحر الأسود تحدث هذه الحرب بين شعبين (الروس والأوكران) ولأول مرة في تاريخهما ، لتتحول هذه الحرب إلى ما يشبه حرب عالمية ثالثة ولكن من نوع جديد بين روسيا الإتحادية ودول الحلف (الناتو) .
كما ذكرنا في بداية المقالة بأن وباء كورونا قد أحدث أزمة إقتصادية وتباعد إجتماعي في جميع دول العالم ، ثم أتت حرب أوكرانيا لتزيد هذه الأزمة ولتمنع شعوب العالم من النهوض ثانية ، فوباء كورونا ظهر في أقصى الشرق (الصين) وهذا ليس صدفة ولكن يوضح لنا أن الصين كدولة ضخمة بدلا من أن تلعب دورها كدولة شرقية في تنمية القسم الروحي والعاطفي في الإنسانية لتساهم في توحيدهم ، تحولت ليس فقط إلى دولة تشابه تماما الدول الرأسمالية الغربية ولكن أيضا أصبحت دولة مادية بحتة لا تؤمن بأي عقيدة روحية . فظهور وباء كورونا في أقصى الشرق وانتشاره في جميع شعوب العالم ليتم فرض حظر التجول والتباعد الإجتماعي بين أفراد العائلة وبين أفراد المجتمع وبين الشعوب بسبب إغلاق الحدود بين الدول ، كان دليل إلهي يؤكد على أن الشعوب الشرقية قد خسرت هويتها كنسل روحي لهابيل يلعب دور في تنمية التطور الروحي ، وأن العالم بأكمله اليوم أصبح شبيه بنسل قايين تسيطر عليه غريزة حب العنف والقتل والمصلحة الشخصية .
دولة أوكرانيا هي رمز لجسد القديسة كورونا الذي اليوم يتم تمزيقه بسبب تعارض مصالح الشرق مع مصالح الغرب ، فبدلا من توحيد الشرق مع الغرب أصبح الأمر مَن سيحكم النظام العالمي الشرق أم الغرب . أوكرانيا تمثل رمز هيكل سليمان الجديد والذي يمثل رمز مريم العذراء بمعناه العالمي والتي تمثل رمز التكوين الروحي للإنسانية والذي وجب في عصرنا الحالي أن تصل إليه الإنسانية بحيث تؤمن بيئة روحية نقية تسمح لجميع أطفال العالم أن يحافظوا على نقاء فطرتهم من غريزة القتل طوال مرحلة نموهم من الولادة وحتى مرحلة دخولهم في سن الرشد ليتابعوا سلوكهم المسالم حتى وفاتهم . ولكن بدلا من أن يحصل هذا حدث العكس تماما ، حيث نجد أن الجريمة في العصر الحديث قد دخلت عالم الأطفال ولأول مرة في تاريخ البشرية ، وبدلا من أن تصل الإنسانية إلى عصر تكون فيه حكومات الدول لديها الحكمة في التعامل مع الدول المجاورة وغير المجاورة لتأمين السلام والأمن لشعبها ولبقية الشعوب ، نجد اليوم أن ألمانيا '-مثلا- والتي منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية قد أهملت تماما تنمية القطاع العسكري وأهتمت بتنمية إقتصاد بلادها وتأمين حقوق أفراد شعبها ، نجدها اليوم تدخل في حقبة جديدة وتقوم بتغيير جذري في خطتها الدفاعية . سويسرا أيضا والتي تُعتبر من أكثر الدول أمانا في العالم كونها تنتهج الحياد العسكري منذ عام /١٨١٥/ وتبذل جهود في تحقيق السلام العالمي ، نجدها اليوم تصطف مع المعسكر الغربي وتشارك في تقديم الأسلحة لأوكرانيا وفي فرض العقوبات على روسيا .
جميع المحللين السياسيين والعسكريين يحاولون التركيز على الأسباب الظاهرية للحرب وكل طرف يضع السبب على الطرف الآخر ، ولكن الموضوع أعمق من ذلك بكثير ، فحرب أوكرانيا لها معنى رمزي يوضح لنا حقيقة الحالة التي وصل إليها التكوين الروحي للإنسانية . فليس من الصدفة أن أكثر مدينة في أوكرانيا يُذكر أسمها منذ بداية الحرب وحتى الآن والتي أصابها دمار شامل ، هي مدينة (ماريوبول) التي تقع على شواطئ البحر الأسود ، فإسم ماريوبول يتألف من كلمتين (ماري- بول) ومعناه (مدينة مريم) فأسم هذا المدينة يعود إلى أسم الإمبراطورة الروسية ماريا فيودوروفنا تكريما لها كوريثة للعرش. وليس من الصدفة أيضا أن هذه الأمبراطورة (ذات الأصول الألمانية) تحمل إسما آخر وهو (صوفيا) ومعناه باللغة اليونانية (الحكمة) . فهذه المدينة التي تم تدميرها تدميرا شامل هي رمز لتدمير هيكل سليمان الجديد في التكوين الروحي لمريم العذراء ، فأهم صفة وهبها الله للنبي سليمان هي (الحكمة) ، وأهم صفة في الحكمة هي حب السلام . هذه المدينة والتي تحمل أسم (مريم - الحكمة) والتي دمرتها الحرب تدميرا شاملا ، تقع في القسم الشرقي الشمالي من ساحل بحر الأسود الذي يسمى (بحر أزوف) . أسم أزوف ليس صدفة ولكنه رمز إلهي آخر سنشرحه بعد قليل .
أوكرانيا تُعتبر أكبر دولة في العالم في زراعة نبات دوار الشمس . وهذا ليس صدفة ، فهذا النبات في هذه الحرب هو رمز إلهي ، فأزهار نبات دوار الشمس يكون سطحها بشكل دائم نحو الشمس ، فالزهرة تدور وتتجه نحو الشمس من شروقها وحتى غروبها ، لذلك تسمى في معظم لغات العالم (زهرة الشمس) ، أي زهرة النور لأنها تبحث بإستمرار عن النور . فهذه الزهرة هي رمز للروح الإنسانية التي تبحث عن النور الإلهي لتقوم بتنمية تكوينها الروحي بشكله الصحيح . وإذا عدنا إلى مدرسة الفيلسوف بيثاغوراس والتي كان لها الفضل الأول في وصول الحضارة الإغريقية إلى عصرها الذهبي ، سنجد أن مدرسة بيثاغوراس كانت تزرع نبات الفاصوليا كنبات مقدس رغم أنهم لم يستخدموها كمورد غذائي ، فقدسية نبات الفاصوليا عندهم كان بسبب أن أوراق هذا النبات هي أيضا تدور وتتجه نحو الشمس طوال النهار . نبات الفاصوليا كان عبارة عن رمز للتكوين المادي للإنسانية ولهذا تم إستخدامه كرمز مقدس في القسم الغربي من العالم (اليونان) في زمن ما قبل ظهور مريم العذراء ، أما زهرة دوار الشمس فهي رمز التكوين الروحي للإنسانية.
مدينة مريوبول (مدينة مريم) تقع على بحر آزوف ، وكلمة (آزوف) مذكورة في القرآن الكريم في سورة النجم {أَزِفَتِ الآزِفَةُ(٥٧)} ، وتعني إقترب يوم القيامة ، أو إقتربت الساعة . اليوم أطفال العالم جميعهم بلا إستثاء يعيشون في بيئة روحية مظلمة تماما ومهما حاول آبائهم و أمهاتهم حمايتهم ستبقى هناك شوائب كثيرة من حولهم تدخل في تكوينهم الروحي لتشوه تلك الفطرة التي وضعها الله في داخلهم . وبسبب شدة تعقيد تشابك الأمور أصبح العقل البشري عاجزا على حل أي مشاكل من مشاكل هذا العالم ، فالأمر أصبح بيد الله فقط ، وأعتقد أن ظهور ( المهدي - المسيح ) أصبح قريبا جدا إن شاء الله (أَزِفَتِ الآزِفَةُ) .... والله أعلم .
وسوم: العدد 982