الدول العربية التي تعترف بإسرائيل تستحق الإدانات العالمية مثلها
انهالت الإدانات العالمية الغاضبة على إسرائيل لاغتيالها مراسلة " الجزيرة " شيرين أبو عاقلة ، وترددها في إجراء تحقيق في الجريمة رغم مناداة أصحاب الإدانات بهذا التحقيق . ولا مفاجأة في تردد إسرائيل لمعرفتها بالجاني القاتل من جنودها ، وبمن أمره بالقتل . وهي في كل هذا منسجمة مع هويتها التي من خصائصها وتجلياتها قتل الفلسطينيين لأتفه الأسباب ، وتخريب حياتهم في كل صورها ومستوياتها . ماذا نتوقع من عصابة مهاجرين استيطانيين سرقت وطننا كاملا ؟! كل ما ستفعله من جرائم وفظائع ضد أهل هذا الوطن امتداد طبيعي لتلك السرقة . وفي محاكمات صورية سابقة للقتلة من جنودها ومستوطنيها حكمت على بعضهم بما يعادل قرشا واحدا لكل قتيل فلسطيني . عاصفة الإدانات العالمية لمقتل شيرين لا تتوقف هبوبا ، وأصابت إسرائيل بعصبية حادة متشنجة إلا أنها بصفتها كيانا مريضا متعدد الأمراض لا يملك أي قدرة على إشفاء ذاته ؛ تندفع للأمام في خط جرائمها وعنصريتها باقتراف مزيد من الجرائم ضد الفلسطينيين والتوجه لسن حزمة " قوانين " عنصرية تعاقبهم بمقتضاها ، وتستغل أحزابها جو احتمال انهيار حكومة بينيت الائتلافية الضعيفة لسن هذه القوانين التي ستحصد للحزب الذي يقترحها أصواتا تضمن فوزه في أي انتخابات قادمة تقديرا منه بأن مستوطني هذا الكيان المشوه سيرحبون ترحيبا قويا بتلك القوانين . وهذا ما يفكر فيه أركان حزب الليكود بقيادة نتنياهو المتلهف للعودة إلى رئاسة الوزراء . قرر رفع شعار " العرب يستولون على البلاد . " ، يعني " يا يهود الحقوا حالكو! " ، وكشف ميكي زوهر النائب عنه في الكنيست والمغربي الأصل أن حزبه سيقوم في حال فوزه في الانتخابات المتوقعة ب " تمرير كل شيء . " ، وطبعا ضد فلسطينيي الداخل . ومن مشاريع القوانين المنتظرة إبعاد عائلات منفذي العمليات الفدائية خارج فلسطين ، وهذا الإبعاد لم يعد متاحا مثلما كان قديما ، وانتهى بكل أنواعه بعد فشله في 1992 مع مبعدي مرج الزهور ال 415 في لبنان الذين اضطرت إسرائيل إلى إعادتهم إلى الضفة وغزة . والإبعاد الذي يتحدثون عنه الآن يمكن تنفيذه في غزة التي سبق أن أبعدت إليها إسرائيل عددا من فلسطينيي الضفة والقدس ، وما زال بعضهم يعيش فيها . نعود إلى الإدانات العالمية الغاضبة التي توالي انهيالها على إسرائيل بعد جريمة اغتيال شيرين واصفة لها بالعنصرية والاعتداء على الشعب الفلسطيني . ارتقت تلك الإدانات مستوى عاليا سيكون له أصداء مدوية ، وجسد هذا الارتقاء البيان الذي أصدره 126 فنانا وممثلا وموسيقيا وكاتبا في الغرب ، ومن بينهم شخصيات من نجوم هوليود ، ووصفوا فيه إسرائيل بدولة فصل عنصري ، ودعوها للاعتراف بقتل شيرين وسواها من الفلسطينيين المدنيين ، وحثوها على معاقبة القتلة . ومثلما قلنا لن تفعل إسرائيل شيئا مما دعوها إليها وحثوها عليه . إنها لن تستطيع . القتل من جوهر هويتها ، وأدوات بقائها ، وإن أوجعتها الإدانات لما فيها من إزالة للطلاء الزاهي الرقيق الطبقة من ادعاء الديمقراطية والإنسانية والقضاء العادل الذي رشته على وجهها المنكر القبيح المفعم بملامح الإجرام . إسرائيل لن تشفي نفسها من أمراض عنصريتها ونزوعها لقتل الفلسطينيين وتخريب حياتهم . هذا ليس في قدرتها ، والإشفاء يتحتم أن يأتي من أطراف أخرى ، وأولها الشعب الفلسطيني الذي تهوي جرائم إسرائيل وعنصريتها على روحه وحياته في كل تفاصيلها . والعرب دولا وشعوبا أولى من سواهم بإدانة جرائم إسرائيل المتوالية ضد شعب هو جزء منهم ، وكلهم مستهدفون من خطرها . وما تفعله الدول العربية التي تعترف بإسرائيل دولة شرعية ، وتشاركها في هذا الفعل السلطة الفلسطينية ؛ يخالف هذه الأولوية القومية . كل شيء يسير في مجراه بين هذه الدول والسلطة الفلسطينية من جهة وبين إسرائيل من جهة مقابلة . إدانات فاترة منسوخة العبارات من إدانات عتيقة ، وسرا تصاحبها غمزة عين لإسرائيل : " افعلي بهم ما تحبين ! " ، وخلف فتور العبارات وغمزة العين شعور حكام هذه الدول بأنهم في زورق واحد مع إسرائيل . إن نجت نجوا ، وإن هلكت هلكوا . وفي ظل هذه الدول التي تردع رأي مواطنيها المخالف لسياستها يتراجع مستوى قلق هؤلاء المواطنين وغضبهم من جرائم إسرائيل ، وبعضهم يستغرقه شعور الذل والتبعية لهذه السياسة فيتماهى معها نجاة بنفسه وطمعا في كسب ود سلطة بلاده ورضاها عنه ، ومن هذه الفصيلة " كتاب وإعلاميون " يزورون إسرائيل ، ويفصحون عن فرحهم بزيارتهم لها ، وأي كاتب أو إعلامي عربي هذا الذي تفرحه زيارتها ؟! الزيارة والفرح يفضحان جهله وضحالة مهنيته وعطب ضميره وخنوعه الأخلاقي . لو كانت الدول العربية في جملتها دولا ممثلة لإرادة شعوبها لما كان موقفها من جرائم إسرائيل بهذا الفتور البارد والنفاق العاري ، ولما تجرأت إسرائيل على هذه الجرائم . مواطنو هذه الدول ضحايا لها ، والفلسطينيون ضحايا لإسرائيل . ونجاة الضحايا جميعا توجب أن يعملوا معا ضد جلاديهم وظالميهم القساة .
وسوم: العدد 982