سوريا: حالة طوارئ إقليمية!
ازدحمت الأنباء المتعلقة بسوريا في الأيام الأخيرة الماضية، بجملة من الوقائع والتصريحات المنذرة بتطورات عسكرية أو أمنية، صادرة عن الدول المجاورة للبلد أو الرعاة الإقليميين والدوليين الكثر للجيوش والميليشيات والكيانات المتحاربة / المتعايشة على الجغرافيا السورية.
يعكس الأمر، بداية، فشلا مستداما في إدارة الدولة السورية، التي حولها النظام إلى رهينة تحكمها طغمة عائلية تبادل سيطرتها على جزء من البلد بالرضوخ لاحتلالات ودوائر نفوذ أجنبية، وبتحويل عمليات القتل والخطف والتعذيب والسجن، كجزء من الاقتصاد الأسود للنظام، وذلك قبل أن يصعد نفوذ اقتصاد المخدرات، الذي يعد موردا رئيسيا للنظام، وانضاف إليها، في السنوات الأخيرة، عمليات شحن المرتزقة للقتال في بلدان أخرى.
عكست التبعية الخارجية نفسها على انتماءات الفرق العسكرية التي كان لها دور ضارب في القمع وإعادة احتلال المناطق المتمردة، كالفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، المحسوبة على إيران، و«قوات النمر»، التي يقودها سهيل الحسن، المحسوبة على روسيا، إضافة إلى الميليشيات العراقية واللبنانية، المحسوبة أيضا على إيران، والعصابات المحلية التي تتبع الطغمة الحاكمة.
تشير التطورات الإقليمية الأخيرة إلى أن النظام بدأ التحول من دولة فاشلة إلى مارقة، تعمل مع حلفاء لها في لبنان على تهريب المخدرات عبر الحدود المجاورة، نتيجة الانهيار الكبير الذي حاق بالاقتصاد السوري بسبب الحل التدميري الشامل الذي اتبعه النظام وحلفاؤه تجاه مجمل المحافظات والمناطق السورية التي تمردت عليه، وسيطرة حزب «العمال الكردستاني» على المناطق الغنية بالنفط والحبوب في الحسكة والقامشلي ودير الزور، والعقوبات الدولية الصارمة على النظام.
أدت إدارة النظام لعمليات تصنيع وتهريب المخدرات إلى «تنسيق» بين القوة العسكرية التي تملكها هذه الإدارة وهذا «الاقتصاد الناشئ» للمخدرات، كما أدت عمليات تصدير «الفائض» العسكري، نتيجة أوضاع عالمية، كما هو حاصل حاليا في أوكرانيا، إلى مضاعفات إقليمية ودولية، واكتسب ذلك على الحدود الأردنية (باعتبارها الطريق البرية نحو السعودية ودول الخليج العربي)، خطرا مزدوجا للسلطات في عمان: تسويق المخدرات عبر أراضيها، ودخول ميليشيات محسوبة على إيران على خط التهريب هذا.
إضافة إلى استيراد القوة الروسية والإيرانية، استخدم النظام، مع بدء انتشار المظاهرات والاعتصامات والانشقاقات العسكرية ضده إلى طرف تركي متمثل بـ«حزب العمال الكردستاني»، حيث أمن له السيطرة على مناطق واسعة للكرد فيها وجود، إضافة إلى العرب وأقليات إثنية ودينية، وساهم ذلك في إنهاء سياسة تقارب حزب «العدالة والتنمية» الحاكم وحلفائه مع الحزب، كما كان سببا إضافيا لتدخل الدولة التركية داخل سوريا، حيث بسطت نفوذها أيضا على مناطق شمال سوريا.
أدت الديناميات الداخلية والخارجية، وظهور تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى ظهور تحالف أمريكي ودولي ضده في سوريا والعراق، وبعد معارك شاركت فيها المعارضة السورية ضد التنظيم، وخسرت فيها آلاف المقاتلين، اعتمدت واشنطن وحلفاؤها حزب «العمال الكردستاني» التركي، حليفا عسكريا رئيسيا لها في سوريا، ودعمت ذلك بقوات وقواعد أمريكية على الأرض، ما أدى إلى توتر دائم بين تركيا وأمريكا، على مر الإدارات الأمريكية التي تعاقبت.
مع ازدياد أهميتها في حلف «الناتو» بسبب الوضع الحالي في أوكرانيا، وانشغال الغرب بتأمين آليات صد الغزو الروسي، وتأمين دخول السويد وفنلندا للحلف، وجدت تركيا الوضع ملائما لتطبيق خطتها التي تم حظرها من قبل واشنطن مرات عديدة، بتوسيع المنطقة الآمنة التي تسيطر عليها داخل سوريا، وخصوصا لعدم التزام الولايات المتحدة بمذكرة التفاهم مع أنقرة عام 2019 والتي كان من بنودها انسحاب وحدات الحزب إلى مسافة 30 كيلومترا من الحدود التركية الجنوبية.
غير أن أمريكا جددت تحذيرها من أن التوسع التركي «سيقوّض الاستقرار في المنطقة ويعرّض القوات الأمريكية وحملة التحالف على تنظيم الدولة الإرهابي للخطر»، ومجمل هذه الوقائع تعني أن إشارة المرور الخضراء الأمريكية مفتوحة في سوريا، لطرف تركي معارض، هو «حزب العمال الكردستاني»، وإشارة المرور الحمراء مغلقة أمام الدولة التركية.
لا يجب أن ننسى أن إشارة المرور الخضراء إلى سوريا مفتوحة لإسرائيل.
وسوم: العدد 983