مؤشر الحرية العالمي: الفارق بين سويسرا وسوريا!
هناك نكتة كانت متداولة في المشرق العربي تحكي عن رجل ذهب إلى مخفر للشرطة، أثناء فترة هيمنة الأمن السوري على لبنان (1976 ـ 2005) ليتهم ضابطا في حاجز لـ«الجيش السويسري» أوقفه في بيروت، بسرقة «ساعته السورية».
المفارقة المقصودة في النكتة طبعا هي المبادلة التهكمية بين سويسرا، البلد الذي يملك سمعة عالمية في مجال الحريات العامة والحياد السياسي وكذلك في الصناعة الدقيقة، ومنها صناعة الساعات، والسياحة والرفاهية والنظام البنكي؛ وسوريا، التي يحكمها دكتاتور مطلق الصلاحيات، تنتفي تحت عرشه الحريات وتنعدم إمكانيات ممارسة السياسة، فيما تسيطر العائلة الحاكمة وشركاؤها على مقدرات الاقتصاد والمال، ويكون الفساد هو عملة التداول الرائجة، مما يحطّ بأوضاع البلاد والعباد إلى مدارك سحيقة.
تجسد هذه المفارقة تجلّيا رسميا لها في إعلان «مؤشر حرية الإنسان» الصادر مؤخرا، والذي تظهر فيه سويسرا، في صدارة المراكز العشرة الأولى (قبل نيوزيلندا واستونيا والدنمارك وأيرلندا والسويد وأيسلندا وفنلندا وهولندا ولوكسمبورغ) بينما تقع سوريا، للأسف، في ذيل البلدان الخمسة الأدنى في المؤشر (بعد مصر وإيران وفنزويلا واليمن) حيث حصّلت على نتيجة 3,3 من أصل عشرة (وهي الأسوأ في العالم).
يعتمد المؤشر معايير واسعة لقياس الحرية العامة، منها حكم القانون، والأمان، وحرية الحركة، وحرية التدين، والتجمع والانتظام والمجتمع المدني، وحرية المعتقد والمعلومات، وحجم التحكم الحكومي، والنظام القانوني وحرية التملك، وحرية التجارة، وحرية المرأة.
لاحظ المؤشر انخفاضا عاما في الحريات العالمية، بالارتباط مع مفاعيل وباء كوفيد على العالم، كما أكد الحجم الكبير للفارق بين عالمي الحريات والاستبداد، حيث يعيش 13,4٪ من سكان العالم ضمن الربع الأعلى من الدول التي تتصدر المؤشر، فيما يعيش قرابة 40٪ في الربع السفلي، وهذا ما يمكن ترجمته جغرافيا، بوجود ارتفاع في مستويات الحرية في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية وأوقيانوسيا، فيما يضم حيّز الحريات المنتهكة سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (العالم العربي) وكذلك جنوب الصحراء الأفريقية وجنوب آسيا.
لا يختلف الأمر كثيرا حين نطالع نتائج المؤشرات العالمية الأخرى، كما هو الحال في التقرير الأخير لمؤشر الديمقراطية حول العالم، حيث نرى تناظر النظم الديمقراطية مع الرفاهية وغياب الفساد والمساواة الاجتماعية، وزيادة قمع الأنظمة الاستبدادية، حيث يسجل أن العام 2021 كان «الأسوأ على الإطلاق».
يؤشر تقرير الديمقراطية إلى التحسّن الحاصل في البلدان التي تتصدر القائمة، ويعزوه إلى تطبيق قواعد الشفافية الجديدة في الأحزاب السياسية، والتمثيل الأكثر عدالة ومساواة بين النساء والرجال في البرلمان، لكنّه يشير أيضا إلى تصاعد الاستقطابات السياسية، ومخاطر صعود الاتجاهات المتطرفة، معتبرا أن العالم «عند مفترق طرق تاريخي».
مقارنة التقريرين الأخيرين بالتصنيف العالمي لحرية الصحافة يظهر العلاقة الوثيقة بين الحريات والديمقراطية وازدهار الصحافة، ويستشهد تقرير «مراسلون بلا حدود» الأخير بتصريح لرئيسة تحرير موقع «روسيا اليوم» الذي يقول: «لا وجود لأمة عظيمة من دون سيطرة على الصحافة» وهو خطاب مذهل في صدوره عن إعلامية كونه يعاكس الوقائع التعيسة التي تعيشها منطقتنا.
وسوم: العدد 1018