في الالتقاء والافتراق

ما زلنا، بحمد الله، نسمع أخباراً طيبة لإخوة لنا يضربون أروع الأمثلة في البذل والتضحية، وفي طلب العلم، وفي الإشفاق على الضعفاء والمحرومين... فهذا يقدّم ماله أو دمه لمقاومة الكفر والظلم في سورية وفي فلسطين وغيرهما، وذاك يكدّ ويسهر في القراءة والبحث حتى يتفوق في بعض العلوم الشرعية أو التطبيقية، وآخر يتولى أمور بعض الأيتام والأرامل... فجزى الله تعالى بالإحسان كل مَن أحسن.

ولكن ذلك كله لا يشكل الصورة الغالبة في المجتمع. فهناك صور بائسة ومُخجلة ما نزال نعاني منها، وتكاد تطغى على الصور الوضيئة التي أشرنا إليها. ومن أخزى هذه الصور أن نجد المسلم، الفرد أو الجماعة أو الدولة، يخاصم أخاه المسلم ويستعديه ويحاربه بالقلم واللسان تارةً، وبالكيد والسنان تارة.

ولا حاجة لأن نستدعي صور ملوك الطوائف في الأندلس الذين تحاربوا فيما بينهم، وتحالفوا مع العدو الصليبي ضد بعضهم بعضاً حتى سقطت إماراتهم الواحدة تلو الأخرى في يد الصليبيّين. أقول: لا حاجة لاستدعاء صور من التاريخ، وحاضرُنا يغصّ بصور بائسة. فخلافاتٌ وتشهير وصراعات وانقسامات. كل فريق يبرز أخطاء فريق آخر، وقد يضخّمها، بل قد يختلق له أخطاء وجرائم لم يرتكبها، أو يسمع فيه تخرّصات العدو... في الوقت الذي يدعو إلى فتح قنوات الحوار مع أصحاب ديانات أخرى، أو مع علمانيين أو ملحدين.

ومما يزيد الأمر حسرة أن يكون الناقد بعيداً عن ساحة المعركة عشرات الأميال أو مئاتها، ويكون أخوه الآخر يصلى لهيبها.

ألا ينبغي لنا جميعاً أن نتدبّر قول الله تعالى: (ولا تَنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم). {سورة الأنفال: 46}، وقوله سبحانه: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم). {سورة الحجرات: 10}، وقوله: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا). {سورة آل عمران: 103}.

فكيف يسوغ لأحدنا أن ينفخ في كير الفُرقة، وأن يؤجّج نار الصراع بين المسلمين، بدءاً من إثارة الخلافات في فتاوى جزئية: هل تُدفع صدقة الفطر نقداً أم عيناً، وانتهاءً باتّهام المجاهدين الذين يدافعون عن الدين والحرمات... بأنهم مجرمون، لماذا؟ لأنهم ينهجون نهجاً لا يُرضي ذلك الذي لم يقترب من المعركة ولم يسمع حسيسها!.

أما آن الأوان لأن نجتمع على ما اتفقنا عليه، وأن يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، وأن نقول التي هي أحسن، وأن ندفع بالتي هي أحسن، وأن نرقب الله تعالى فيما نقول ونفعل؟! وأن نعتبر بمن يرموننا عن قوس واحدة وهم على باطل، وأن نتصدّى للأمور الكبيرة دون السفاسف والترّهات، وأن نتعالى على العصبيات البلدية والفصائلية والحزبية والمذهبية.

نعم، كيف يجد بعضُنا مصلحةً في تقديم التنازلات لـِ "الآخر"، ويقف موقف الخصم العنيد تجاه إخوة له خالفوه في بعض اجتهاداته الفقهية أو السياسية أو الحركية.

اللهم ألهمنا رُشدنا، وأعذنا من شرور أنفسنا، واجمع كلمتنا على ما يُرضيك عنا.

وسوم: العدد 1036