حتى المحكمة تبرئ قاتل “الضحية الأكثر براءة في العالم”.. من ينتظر خجل الاحتلال؟
في حالة إياد الحلاق حقائق معينة غير مختلف عليها: لم يكن إرهابياً؛ لم يكن مسلحاً؛ ولم يشكل خطراً على أحد؛ عندما تم إطلاق النار عليه وقتل كان مستلقياً وهو مصاب في غرفة للقمامة بسبب رصاصة أصابته في بطنه؛ مرشدته وقفت بجانبه وهو يشرح لرجال الشرطة بأنه معها، وبدورها أبلغتهم بكل الطرق بأن إياد مريض بالتوحد وأنه معاق؛ فهم قائد القوة بأن إياد لا يشكل أي تهديد، وصرخ على مرؤوسه قائلاً “توقف”، ولكن المرؤوس أطلق النار على إياد وقتله.
لذا، أرى شخصياً أنها عملية قتل مع سبق الإصرار. لائحة الاتهام التي تم تقديمها ضده وصفت ذلك بـ “قتل بالإهمال”. قاضية المحكمة المركزية، حنه مريام لومف، وصفت ذلك بأنه شعور ذاتي مبرر من أجل الدفاع عن النفس. إياد الحلاق قتل وهو مذعور حتى الموت وعاجز، وهو الضحية الأكثر براءة في العالم. ورغم أنه متوحد فهو أدرك الوضع. وقوله لقاتله إنه مع مرشدته يدل على ذلك. أدرك بأنه سيقتل بدم بارد، وأنه سيتم إعدامه، وفي الطريق توسل للقاتل كي لا يقتله. هذه الصورة لا تغيب عن الذاكرة. إياد ينزف من بطنه قرب حاوية القمامة ويفقد الدماء ويرى البنادق المصوبة أمامه ويتوسل لئلا يقتلوه. والده صرخ في المحكمة، قائلاً “يا للعار”، هذه دعوة الحرب للاحتجاج ضد الانقلاب النظامي. ولكن كما أن بنيامين وسارة لا يخجلان، فالاحتلال والانقلاب النظامي لا يعرفان أي خجل.
للزوجين نتنياهو مثلما لقاتل إياد، هناك شعور ذاتي من أجل “الدفاع عن النفس”. ولدرعي ولفين وبن غفير، وأيضاً للمستوطنين الذين ينفذون المذابح في الضفة. جميعهم في وضع دائم لـ “الدفاع عن النفس”، أمام العرب واليساريين والنخب والدولة العميقة. ومثل الجندي الذي أطلق النار على إياد، فإنهم جميعاً يتوهمون. في السنوات الثلاث التي مرت منذ مقتل إياد، ساء وضع مواطني اسرائيل الذين يؤيدون الديمقراطية بشكل كبير. الديكتاتورية لم تشرع بعد، لكنها مغروسة عميقا بروحها في الخطاب العام. لم يعد بالإمكان فصل أقوال فاشية مثيرة للاشمئزاز، جميعها هكذا. من لا يرى إياد من خلال ما يحدث الآن، فهو أعمى. عضوة الكنيست تالي غوتلب، وهي نفسها أم لطفلة متوحدة (يهودية) غردت قبل بضعة أيام: “الفلسطيني الذي يهرب من الجيش الإسرائيلي، يجب إطلاق النار عليه. الفلسطيني الذي يقترب من جندي للجيش الاسرائيلي يجب إطلاق النار عليه”. حتى إن إياد لم يكن ذريعة للتغريدة، التي أشارت فيها أيضاً إلى أن “من يشفق على متوحشين، فنهايته الوحشية إزاء الرحيمين”. هذا يذكر بـ “تعليمات الأمن في المناطق المحتلة”. نكتة حانوخ لفين الهزلية “شخص يعبر الشارع ويلقي نظرات عصبية إلى كل الجهات، سوف يشتبه به أنه إرهابي عربي… وإن لم يمر أحد في الشارع، فسيتم الاشتباه به كإرهابي عربي مريض. وأثناء محاولته للهرب، سيتم إطلاق النار في الهواء. سينقل جثمانه إلى معهد الطب الشرعي”. هذه الرواية الهزلية هي أوامر فتح النار للنصف الثاني. الجريمة تسيطر.
وسوم: العدد 1040