بعد مرور عامين على انقلابه.. ماذا قدم قيس سعيّد لشعبه؟
في شهر يوليو من عام 2021، أي منذ نحو سنتين، فاجأ الرئيس التونسي قيس سعيّد الداخل والخارج بقرارات غريبة وعجيبة وربما صادمة، وهي تجميد البرلمان وحلّ الحكومة وإصدار سلسلة قوانين لاحقًا تصبّ في هذا الاتجاه ، والسيناريو تم بعد مسرحية هزلية من خلال مئات من المتظاهرين قادهم نواب بالبرلمان وسياسيون لهم مصلحة مباشرة في حلّ البرلمان وتغييب رئيسه وحركته والمتحالفين معه، وهو ذات السيناريو الذي طُبّق في دولة أخرى من قبل بتخطيط وتنفيذ دولي وإقليمي، بل قيل إن مسؤولا أمنيا كبيرا بإحدى الدول العربية كان موجودا يتابع الخطوات والتنفيذ أولًا بأول. وقد نجح السيناريو غير المجهد بالنسبة لداعميه لأنه على مقاس دولة صغيرة وقوى سياسية لا تريد إراقة الدماء وتؤمن بالديمقراطية وليس العنف.
رفض الداخل والخارج
وفي بداية الانقلاب كانت المعارضة قوية ووقفت له بالمرصاد وتصدت لقراراته بطريقة سلمية وديمقراطية دون صدام، ورفضت كل مشاريعه التي تخالف الدستور وتناهض الديمقراطية، بل ذهب أعضاء من البرلمان إلى مجلسهم وبرلمانهم الذي هو برلمان الشعب المنتخب ديمقراطيا وكان على رأس هؤلاء رئيس البرلمان راشد الغنوشي، وإذا به ومن معه يفاجؤون بمنع الأمن لهم بغطرسة وعنف، وظلت ردود الداخل رافضة لكل هذا في صورة مظاهرات ورفض الاستجابة لأي قرار بما في ذلك قرار تشكيل الحكومة الجديدة وغيره من المواقف والفاعليات الأخرى.
وعلى مستوى الخارج كانت الردود رافضة أيضا لما جرى باعتبار أن تونس آخر تجربة للديمقراطية بدول الربيع العربي وأنه لا بد من دعمها والحفاظ عليها، ورأت أمريكا وأوروبا فيما جرى تعسفًا من رئيس جاء عبر الصندوق وألغى برلمانا جاء بالصندوق أيضا في ازدواجية غريبة وانفصام سياسي أغرب. وكانت هناك دول أخرى داعمة لتونس وتجربتها الديمقراطية في آسيا وإفريقيا، ولكن ذلك كان ضغوطًا وبيانات وشبه تهديدات ولم يرق إلى اتخاذ قرارات فاعلة، ومع مرور الوقت كان الدعم من مهندسي الانقلاب كبيرا، وهو ما جعل قيس سعيّد يأخذ قرارات جديدة بما يقتطع كل يوم مساحة من الديمقراطية ويزرع مساحة جديدة من الاستبداد والدكتاتورية.
الحصاد المر
وفي العام الثاني تراجعت المعارضة وخلال حصاد العامين استطاع رعاة قيس سعيد وانقلابه النجاح في عدة ملفات كلها ضارة بالشعب التونسي قبل أي فصيل سياسي بعينه، سواء على مستوى المحور السياسي أو الأمني أو على مستوى المحور الاقتصادي والاجتماعي بما يمكن أن نسميه النجاح القاتل أو الحصاد المر.
فعلى صعيد المحور السياسي جاء انقلاب 25 يوليو ليجرف الحياة السياسية تماما في تونس التي كانت نموذجا ونبراسا للعرب وإفريقيا، ولكن الخشية من هذا النموذج الوحيد في تجربة الربيع العربي جعلت قيس سعيد وداعميه يتعاملون بقسوة شديدة ولم يكن ذلك لأشخاص كانوا في السلطة وفشلوا من وجهة نظرهم، بل إن العداء كان لثورة الياسمين، القطار الذي سحب خلفه باقي التجارب العربية التي تعرضت للقمع والوأد مبكرا. والغريب أن تجربة تونس كانت أول تجربة واستمرت عشر سنوات، وكانت آخر تجربة يتم التآمر عليها والقضاء عليها. وربما كان سبب ذلك هو التخوف في البداية أو كان المخطط أن تكون البداية بالنماذج الكبرى من حيث المساحة وعدد السكان والتأثير مثل مصر وسوريا، رغم تأثير تونس الثوري؛ بحيث لا تكون سندًا لتونس وغيرها من تجارب الربيع، وحاول سعيّد أن يقدم نموذجا جديدا للبرلمان والانتخابات وللحكومة عقب الانتخابات، ولكن تلك المحاولة كانت أسوأ تجربة بسبب مقاطعة الشعب التونسي لها إلى الحد الذي جعلها تسمّى الانتخابات الفضيحة.
ومع مرور الوقت في العام الثاني تجاسر سعيّد أكثر وأصدر تشريعات وقوانين تمكنه من محاصرة معارضيه لكونه هو من يدير السلطة القضائية، وعقب ذلك اعتقل عددا كبيرا من معارضيه وعلى رأسهم الشيخ راشد الغنوشي رئيس البرلمان المنتخب ورئيس أكبر حركة سياسية في البلاد، ثم جاء الدور على الشابي ورفاقه في جبهة الخلاص، وقبله عدد من قادة حركة النهضة وحزب الكرامة والإعلاميين، في هجمة أمنية لم تشهدها تونس منذ عشر سنوات، وكاد الشعب ينسى هذا القمع لأن الحرية كانت المكسب الحقيقي للشعب التونسي، إذ إن أهم حقوق الإنسان حرية التعبير والتظاهر والإضرابات والاعتصامات، وهي من الحقوق التي مارسها اتحاد الشغل بحرية تامة طوال عشر سنوات ولكنه اليوم مهدد هو وقادته أيضا.
أما على المستوى الاقتصادي الذي كان شماعة هذا الانقلاب ووعد الرئيس المنقلب شعبه وعود وردية بشأنه، فإنه تراجع عاما بعد عام لتصل تونس بعد عامين إلى أزمة اقتصادية خانقة جعلت مؤيديه فضلا عن معارضيه ينفضون من حوله، وجعلت تونس رهينة للبنك الدولي والمساعدات الأوربية والعربية، وعادت إلى التسول الذي لا يسد رمق الشعب، وأصبح الانقلاب يعاني الآن معاناة شديدة في الوضع الاقتصادي والاجتماعي ويواجه غضبا عارما تمثل في إضرابات واعتصامات قادها اتحاد الشغل ومعه بعض النقابات الأخرى.
هل يصمت الشعب؟
والآن أصبح الوضع في تونس كالتالي: رئيس حبس كل معارضيه لكي لا يبقى منهم أحد خارج السجون فيخلو له الجو كما يقولون ويسوق السيارة دون مضايقة فإذا به يصدم بالسيارة ويحدث بها إصابات كبرى “ويلبسها في الحيط” كما يقول المصريون على ما يحدث في مصر أيضا.
النقطة الأخرى وضع اقتصادي مأزوم لا يجد منه قيس أي فكاك وحتى المساعدات التي تصله تكون عبارة عن تسول، وحاول في الفترة الأخيرة أن يختبئ خلف الهجرة غير النظامية ويصنع منها قضية قومية ليغطي فشله، ولكن الشعب التونسي أذكى من ذلك ولا يزال يحاصر الرئيس الفاشل، الذي راح يخاطب أوربا في شأن الهجرة الشرعية، فألقوا له مبلغا زهيدا مقابل أن يكون غفير حدود يمنع المهاجرين، وليس حتى شرطي حدود.
هذا هو نتاج وحصاد قيس بن سعيد الرئيس الذي درس القانون وانقلب على الدستور، وصار لديه أزمة معارضيه من ناحية وأزمة مؤيديه من ناحية، بسبب الفشل السياسي والاقتصادي.
والسؤال الآن هو هل يصمت الشعب التونسي ويخفت صوته؟ في تقديري أن الإجابة هي: “لا”، فسيكون للشعب التونسي كلمات في الوقت المناسب، سواء في الشارع وهذا هو الأقرب من وجهة نظري أو الصندوق في الانتخابات الرئاسية القادمة. وإن غدا لناظره قريب.
وسوم: العدد 1043