إنها فلسطين

شيء لا يوصف

أكبر سجن في الهواء الطلق، غيتو غزة المحاصر، يشن حرباً على إسرائيل، يحتل مستعمرات، فيهرب المستوطنون، ويعلن أن فلسطين بأسرها من شمالها إلى جنوبها صارت ملعباً فلسطينياً، وأن الاحتلال يمكن أن يتفكك تحت ضربات فقراء غزة.

شيء يشبه أعجوبة لا تصدق كأننا أمام سقوط سايغون بأيدي الفيتناميين.

بالطبع فلسطين بصواريخها وفدائييها لم تصل بعد إلى هذه النقطة، لكنها ستصل.

شعب فلسطين لن يموت.

وحدكم تفتحون للعرب أفقاً وحاضراً ومستقبلاً.

ماذا يجري منذ صباح الأمس في فلسطين؟

هل هي انتفاضة مسلحة شاملة تجري بعد يوم واحد على ذكرى حرب السادس من أكتوبر، وكأن المقاومة أرادت أن تقول إن اللعبة الإسرائيلية مع الفلسطينيين قد انتهت؟ اللعبة القديمة حيث كانت إسرائيل تقتل كما تشاء وتعربد وتحرق القرى، وتلقي الدروس على ضحاياها، ولا تبالي.

انتهت كذبة السلام ولم يبق أمام الفلسطينيين سوى المقاومة دفاعاً عن وجودهم. غير أن المفاجأة التي صنعتها كتائب القسام كانت غير متوقعة، وتوازي مفاجأة حرب تشرين 1973، رغم الفرق في العدد والعتاد.

إنها الحرب، أو ما يشبه الحرب، حرب بدأتها كتائب القسام في السادسة والنصف من صباح السبت، وستكون حرباً مفتوحة لا نعلم إلى أين ستمضي، أو أين ستقودنا، لكن من المؤكد أن هذا اليوم سيبقى جزءاً من تاريخ فلسطين.

اعتقد الإسرائيليون أن تحالفاتهم العربية ستحميهم من الفلسطينيين، لأن مصير الفلسطينيين هو الإمحاء تحت ما يسمى بالسلام العربي-الإسرائيلي.

لقد أضاع الإسرائيليون منذ أوسلو كل احتمالات التسوية لأنهم يريدون كل فلسطين. وما هذه العربدة التي يقوم بها اليمين المتدين في القدس وفي المسجد الأقصى سوى برهان على ذلك. لقد انفلقنا من هذه الوقاحة والوحشية التي لا يتوقف المستوطنون عن ممارستها.

هذه المواجهة الكبرى ليست نهاية المطاف، بل بدايته. الرد الإسرائيلي لن يغير شيئاً على الرغم من أنه سيكون وحشياً كالعادة وسيكون حرباً لا هوادة فيها، كما قال نتنياهو. لكن ما حصل صباج السبت رسم بشكل نهائي شكل المواجهات الجديدة، فقد أعلن محمد الضيف القائد العام لكتائب شهداء القسام، أن الكتائب أطلقت 5000 صاروخ وقذيفة خلال الدقائق العشرين الأولى من بداية المعركة.

المستوطنات؛ أي المستعمرات الإسرائيلية في غلاف غزة، سقط بعضها بأيدي شباب المقاومة. المستوطنون يفرون، والأسرى يسقطون في أيدي الفدائيين، كأننا أخيراً اقتربنا من بداية الحرية والتحرير.

خلال الانتفاضة الأولى كتب محمود درويش قصيدة «عابرون في كلام عابر»، يومها بدلاً من أن يستمع الإسرائيليون إلى نصيحة الشاعر بالخروج من الأرض المحتلة، بدأت في إسرائيل حملة شنيعة ومنظمة وعنصرية ضد شاعر فلسطين.

قال الشاعر:

«أيها المارون بين الكلمات العابرة

احملوا أسماءكم وانصرفوا

واسحبوا ساعاتكم من وقتنا وانصرفوا

وخذوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة

وخذوا ما شئتم من صور كي تعرفوا

أنكم لن تعرفوا

كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء».

لم يقل الشاعر سوى الكلام الذي كان يقوله كل الناس، فالانتفاضة الأولى حاولت أن تفتح الأفق، لكن الإسرائيليين هم ملوك التلفيق، فنجحوا في إغلاق هذا الأفق، وحولوه إلى كابوس أوسلو. أما التهمة التي وجهت إلى الشاعر فكانت اللاسامية!

ما هذه التهمة السخيفة التي ستتحول في أيامنا هذه إلى وسيلة إخراس الناس، وتمرير العنصرية الصهيونية ونظام الأبارتهايد بصفتها هي الديموقراطية.

ما قاله لهم درويش نقوله اليوم لأنه كلام بديهي:

«فاخرجوا من أرضنا

من برنا… من بحرنا

من قمحنا… من ملحنا… من جرحنا

من كل شيء واخرجوا

من مفردات الذاكرة

أيها المارون بين الكلمات العابرة».

كم كنت أتمنى أن تصل كلمات الشاعر، لكن هذا محال مع دولة عنصرية، فالعنصرية والفاشية هي أدوات قتل وجنون، ولا يردعها أي شيء.

«طوفان الأقصى» ليست معركة صغرى، إنها بداية مسار جديد مهما كانت تكلفتها ومهما أفرزت من نتائج على كل المستويات في غزة والضفة، لكن المهم هو أن روح المقاومة عادت من جديد. صحيح أنه يجب أن يعطى الفضل لأصحابه، في حماس والجهاد، لكن ما يجب ألا ننساه هو أن هناك قوة فلسطينية كبرى، هي حركة فتح لا تزال خارج المعركة.

هذا الواقع يجب ألا يستمر، فكل الشعب الفلسطيني في ظل هذا الحصار هو مقاوم كي تبقى فلسطين وكي نفتح أفق التحرير.

وكان العالم يتفرج ويدين الفلسطينيين، كأن فلسطين تحتل إسرائيل وليس العكس، هذا عالم أسود وبلا قيم، نقاومه بكل ما نملك من إرادة، كي ينتصر الحق على هؤلاء الأفاقين الذين حولوا دمنا إلى سلعة.

وسوم: العدد 1053