إسرائيل لم تعد خطرا على الفلسطينيين وحدهم!
وثّقت صحيفة «نيويورك تايمز» قصف إسرائيل لمجمّع «الشفاء» يوم الجمعة الماضي، والذي خلّف 13 شهيدا. نفّذ جيش الاحتلال، في اليوم التالي، السبت، عملية إخلاء مستشفى الرنتيسي القريب، بعد السيطرة عليه وإخلائه بالكامل، مستخدما الحجة، التي رفعها مجددا لتبرير الهجوم على «الشفاء» بالزعم أن فيه مقاتلين لحركة «حماس» وبوجود أنفاق تحته، مستكملا، خلال الأيام الماضية، حصار المجمع، واقتحامه، في اليوم الأربعين للعدوان، بالدبابات وبمئة عسكري.
يحمل المجمّع تاريخا رمزيّا كبيرا، فهو «أكبر عمرا» من دولة الاحتلال نفسها (تأسس عام 1946) وقد سيطرت إسرائيل عليه عام 1967، وكان له دور في الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 حيث دارت فيه أولى المواجهات بين الطلاب الذين اقتحموه لمواجهة الجنود الإسرائيليين، وفي عام 1994 أدت قوات السلطة الوطنية التحيّة للعلم الفلسطيني عندما حصل الفلسطينيون على حكم ذاتي كنتيجة لعملية أوسلو للسلام.
يعتبر المجمّع، التابع لوزارة الصحة الفلسطينية، أكبر مؤسسة صحية لتقديم الخدمات الطبية في القطاع، وهو يضم ثلاثة مستشفيات متخصصة ويشكل الموظفون فيه (1500 من أعضاء الفريق الطبي) قرابة 25٪ من مجمل العاملين في كل قطاع غزة، وإضافة إلى الخدمات الطبية، أدى المجمع دورا أساسيا في إيواء العائلات الفلسطينية خلال الحروب التي شنتها إسرائيل، وقد احتمى فيه، خلال الأيام الماضية أكثر من 40 ألف شخص للاحتماء من الغارات الدموية التي لم توفّر مناطق سكنية، أو مدارس، أو مستشفيات، أو جوامع، واستهدفت الطرق والمناطق التي أعلنتها تل أبيب «آمنة» وهو ما أكده أمين عام منظمة الصحة العالمية، الذي قال إن «لا مكان آمنا في غزة».
بعد حصار المجمّع، واستهدافه، اضطرت إدارة المشفى، أول أمس، لدفن 179 جثمانا في مقبرة جماعية، ووثّق أطباء المجمّع وفاة 39 طفلا بعد نفاد الوقود وإطفاء الحاضنات، وكان مؤثرا حديث مدير المشفى، د. مدحت عباس، عن «أطفال من دون أمهات ولدوا بعمليات قيصرية خلال احتضار أمهاتهم المصابات» وبسبب نقص الكهرباء نقل هؤلاء الأطفال الخدج إلى أسرة عادية ووضعت عليهم رقائق الألمنيوم لإبقائهم دافئين.
بالتزامن مع هذا الاجتياح الهمجي للمستشفيات، التي توقف أغلبها عن العمل (25 مشفى من أصل 35 في كامل القطاع) احتفل جيش الاحتلال بدخول مقر البرلمان الفلسطيني في غزة، والتقطوا الصور داخله قبل أن تقوم بتفجيره، بدعوى أنه يستخدم لأغراض عسكرية.
يخدم استهداف المناطق السكنية، وتنفيذ العقاب الجماعي الدموي ضد سكان غزة، أهداف التطهير العرقي التي يحلم بها حكام إسرائيل العنصريون، فيما يجيء استهداف المشافي (وغيرها من البنى التحتية ذات الطبيعة الخدمية او الاجتماعية) ضمن إطار نزع إسرائيل للرمزية الإنسانية للفلسطينيين، فيما يلعب استهداف الأمم المتحدة (مقتل أكثر من 100 من موظفي الأونروا وقصف مقر برنامج الأمم المتحدة للإنماء) لتحقير الشرعية الدولية، أما استهداف البرلمان بالتفجير فيتقصّد إلغاء المعنى السياسي لفلسطين، وليس لـ«حماس» فحسب.
تقوم إسرائيل، في كل ما تفعله بتدمير كل الأطر الشرعية والإنسانية والحقوقية والقانونية التي بُني العالم عليها بعد الحرب العالمية الثانية، وهو أمر تتشارك فيه، عمليا مع الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفاء غربيين (فاق بعضهم في غلوّه في الدفاع عن أفعال الاحتلال إسرائيل نفسها، كما هو حال القيادة الألمانية) فيما ينعدم أثر «الرابطة العربية» التي أنتجت غضبا شعبيا كبيرا لكنّ مفعولها تقلّص إلى إصدار البيانات فحسب.
تخلق إسرائيل، بهذا، وضعا دوليا غير مسبوق، يشكل خطرا كبيرا على الفلسطينيين والعرب والعالم، ويؤذن بمرحلة مرعبة لا يعود فيها للشرع والقوانين الدولية والحقوق الإنسانية معنى كبير.
وسوم: العدد 1058