في المتعة واللذة بين الأسوياء والمنحرفين..
عندما يكون الناس أسوياء عقلاء أتقياء تكون متعتهم ولذاتهم فيما أحل الله ورسوله فقط.. فهم كما قال تعالى: (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان) .
وهم يتبعون رسولهم الذي: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ..}
وعليه فلذة أهل الإيمان وسعادتهم هي بإيمانهم وأعمالهم الصالحة والتسابق إلى الجنة وبما أباح الله لهم من متع الدنيا وشهواتها من غير إسراف ولا شطط.
***
ولكن عندما يكون الناس غير مؤمنين فإنه لا تكون متعتهم إلا في العصيان والمخالفة ... والعياذ بالله تعالى.. وفيما يلي بعض التفصيل:
*فإن كان عالما فاسقا قال في تكبر وغرور: (أنا خير منه).
*ويشعر بمتعة إضلال الناس فيعلن بنبرة تحد: (لأقعدن لهم صراطك).
*ويلهث خلف المال والشهوات حاله كحال بلعام بن باعوراء: (ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث).
جاء في تفسير القرطبي: "ولكنه أخلد إلى الأرض: أي ركن إليها ; عن ابن جبير والسدي . مجاهد : سكن إليها ; أي سكن إلى لذاتها".
*وإن كان أخا شقيا قال لأخيه: (لأقتلنك).
*وإن كانوا إخوة حاسدين لأخيهم قالوا: (اقتلوا يوسف).
*وإن كان ابنا انشق عن أبيه وقال: (سآوي إلى جبل يعصمني من الماء...)
*وإن كانت زوجة جاهلة تركت التوحيد وبقيت على إرث الجاهلية، ولو كان زوجها نبيا كريما كنوح أو لوط عليهما السلام، فقد كانت زوجة كل واحد منهما كافرة.. (فخانتاهما) أي في الدين والإيمان.
*وإن كانت امرأة غريبة (وراودته التي هو في بيتها) ... ولما رفض تعلن بكل جرأة (ولئن لم يفعل ما آمره به ليسجنن).
*وإن كان صاحب مال، فهوالذي يجمع ويخزن: (الذي جمع مالا وعدده، يحسب أن ماله أخلده).
*وإن كان صاحب مال وربع قال: (أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا).
*وإن كان رأسا في الطغيان أحب القتل والإجرام (ذروني أقتل موسى).
*وإن كان من الزعماء تباهى بماله وأولاده: (أن كان ذا مال وبنين).
*وإن كان قارونا (ملياردير) أحب التباهي: (فخرج على قومه في زينته).
*وهنالك أيضا: لذة التكذيب (وكذب به قومك وهو الحق).
*والاستعلاء: (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين).
*والغرور (ما أظن أن تبيد هذه)...
*ولذة الغيبة والنميمة (يأكل لحم أخيه ميتا).
*ولذة تعرية الآخرين: (ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما).
*ولذة اتباع الهوى: (واتبع هواه وكان أمره فرطا).
*ولذائذ الطعام والشراب كثيرة كما في الحديث: (والكافر يأكل في سبعة أمعاء). رواه ابن ماجه.
وقد دفع حب الطعام والشراب ابن الرومي إلى أن يقول:
فلا أهلا بمانع كل خير
وأهلا بالطعام والشراب
***
وهنالك أيضا:
*لذائذ الصيد والرياضات المختلفة، والصيد مباح خارج الحرم (وإذا حللتم فاصطادوا). ولكن قد يصبح محرما إذا كان للعبث والتسلية ..وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من قتل عصفورا عبثا جاء يوم القيامة يعج إلى الله يقول : يا رب إن هذا قتلني عبثا لم ينتفع بي ولم يدعني آكل من خشاش الأرض) .
*وهنالك لذة الخمر كما قال حسان:
ونشربها فتجعلنا ملوكا
وأسدا ما ينهنهنا اللقاء
*ولذائذ الأهواء النفسية والمعاصي لا تكاد تنتهي..
***
*وإن كانوا جماهير لا تستحي فهم أصحاب أحوال سادية تلتذ بتشويه الحقائق: (إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ۗ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (54) هود.
*كما تلتذ أيضا بأذى الآخرين وتعذيبهم: فمنهم:
*قوم نوح (سخروا منه).
*وقوم إبراهيم: (حرقوه وانصروا آلهتكم).
*وقوم شعيب: (لنخرجنك ياشعيب).
*وقوم لوط: (ولقد راودوه عن ضيفه)...
*إلى آخر تلك الملل العوجاء الشوهاء وهم المشركون من قوم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قرروا التخلص منه بأية وسيلة كانت: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ).
***
(تنبيه): لم يرد السجن أو التهديد به في القرآن الكريم إلا في ثلاثة مواضع:
الأول: في قصة يوسف12 مرة..
والثاني: على لسان فرعون مهددا موسى (لأجعلنك من المسجونين).
والثالث: بلفظ يرادفه بالمعنى بحق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (ليثبتوك). قال ابن كثير: (وقال عطاء ، وابن زيد : ليحبسوك .
وقال السدي : الإثبات هو الحبس والوثاق).
فالإسلام دين الحريات.. لا يسجن أحدا.. وقد دخلت امرأة النار في قطة حبستها حتى ماتت..
*ألا قبح الله من يتلذذون بتعذيب الأبرياء وإيذاءهم من الساديين المرضى بالأذى والإجرام.
*وشفى الله من يتقبلون الأذى والألم ويتحملون ما لا طاقة لهم به من (المازوخيين) الذين يجدون متعتهم ولذتهم في تقبل الأذى واستقباله من الآخرين، فيتعرضون من البلاء لما لا يطيقون، ففي الحديث عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخا يُهادى بين ابنيه فقال: (ما بال هذا؟! قالوا: نذر أن يمشي، قال: إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغَنِيٌّ، وأمره أن يركب) رواه البخاري.
وفي حديث آخر عن حذيفة: قال صلى الله عليه وسلم :" لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه ، قالوا : وكيف يذل نفسه ؟ قال : يتعرض من البلاء ما لا يطيق " أخرجه أحمد والترمذي .
***
نسأل الله السلامة والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
وسوم: العدد 1079