قضية الأقليات على خلفياتها ووجودها بين ظهراني المجتمعات

هذه القضية- قضية الأقليات والعلاقة بها ومعها وأنماط سلوكها؛ قضية مطروحة ومبسوطة ومناقشة كإحدى قضايا الفكر السياسي العام. في كتب علم السياسة المجملة والمفصلة. وفي بسطها كتب متخصصة بها، أفرد في التأليف فيها مفكرون وعلماء إنسانيون وأصحاب رأي حر، ولكنهم ليسوا مجاذيب.

الكتب المؤلفة في الأقليات كتب علمية رصينة، تابعت واستقرأت ودرست، واستنتجت وخلصت إلى نتائج علمية حقيقة سطرتها في كتبها. ثمة مراكز أبحاث عالمية ودولية وعلمية متخصصة في دراسة الحالة العامة للأقليات حول العالم، أنماط سلوكها، وحقوقها..

وهؤلاء المفكرون والعلماء ربما لم يسمعوا بسورية، ولا بانقسام المسلمين إلى سنة وشيعة، ولا يعرفون كثيرا عن العرب، ولا عن الكرد والتركمان والشيشان، كما لا يعرفون كثيرا عن المسلمين والمسيحيين..

ولكنهم يقررون أنه في كل مجتمع تكون هناك هوية سائدة، تشكل بنية المجتمع ومركزه، ثم يكون هناك أقليات تعيش على هامش هذه الأكثرية،

فكان لها قضاياها، ويؤكدون أن مشكلات موضوعية تنشأ عن وجود هذه الأقليات، ويقترحون الطرق الأمثل لاستيعابها والتعامل معها،

ويصنف هؤلاء العلماء هذه الأقليات، بأنها قد تكون ثقافية لغوية، أو سلالية عرقية، أو دينية أو مذهبية أو قبلية، أو على أي خلفية يختلف عليها البشر..

ويتحدث هؤلاء المفكرون في كتبهم، عن ضوابط عامة، تصبغ سلوك هذه الأقليات عموما. وأكرر أن كثيرا منهم لم يسمع بسورية وتجربتها الرائدة في الجبهة الوطنية التقدمية، والوحدة الوطنية.

ولكنهم يقررون وهم يتحدثون عن مجتمع في بلاد الواق الواق، أن لهذه الأقليات قوانين عامة تضبط سلوكها، العام وعلى المستويات المصلحية ذات الصبغة الخصوصية.

يقولون: إن هذه الأقليات عموما أقرب إلى الحزب السياسي المفتوح، المنضبط عموما بقرارات مرجعياته العليا، مهما تكن مخالفة لمصالح الأكثرية السائدة أو مصالح الوطن الذي يعيشون فيه!!

وأن هذه الأقلية تلتزم بمصالحها الفئوية ليس فقط في الميدان الذي يمثل خصوصيتها، بل في ميادين الحياة كافة. ومنها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي.

يؤكد أولئك المفكرون، في تلك الكتب أن عنوان "الأقلية الوطنية" هو عنوان تشجيعي حالم، يحاول أن يخفف من حدة مشاكل المعايشة المفروضة، وأن يستوعبها.

ويضيفون بمنطق هيغلي ماركسي، أن التناقض الأول لجميع الأقليات ولا سيما المنظمة منها، هو مع الأكثرية المجتمعية، وليس مع التحديات أو التهديدات الداخلية والخارجية..للوطن أو للأكثرية التي تعيش فيه.

إن عنوان هو "واحد منا"

"ون أوف أس" هو عنوان سائد في عالم الأقليات حتى عندما يفكر المنتمي لأقلية أن يشتري علبة سكائر من كشك التبغ الموجود في حيه، فهو مستعد أن يمشي نصف ميل إضافي ليشتريه من الذي ينطبق عليه عنوان "إنه واحد منا" ويضيفون ولكن أبناء الأكثرية في كل المجتمعات لا يفكرون هكذا..

عن عنوان "ون أوف أس" ألفت كتب، وألقيت محاضرات، ومثلت أفلام "لم يسمع بها مخرج مسلسل "عمارة يعقوبيان" وأنا أعجبني أيضا مسلسل عمارة يعقوبيان…

تضيف تلك الكتب أن أبناء الأقليات في جدليتهم مع الأكثرية، مهما أُعطوا طلبوا المزيد، وأنهم يظلون يلهجون بحديث المظلومية المتعددة التي لا تنتهي.

يؤكد الباحثون على أن وعي المشكلة بأبعادها هو الطريق الأسلم لمواجهتها. والحل لا يكون بالتكريس ولا بالتجاهل، ولا بإدارة الظهر، وإنما بالمواجهة الموضوعية الحكيمة والحذرة، بمثل مبضع الجراح.

ودائما في بحثهم للمشكلة يحضر درس قوم موسى "كأقلية عالمية" عاشت على هوامش المجتمعات. وهو درس غني وثري، يبدئ ويعيد فيه المفكرون.

ويشرحون أن فكرة العداء للسامية نشأت عن أسباب، منها ما يجب الحذر من تكراره، من كل الأطراف. ويعتبرون أن نجاحات هذه الأقلية المبهرة - أرجو أن يفهم لفظ النجاح بدلالته في السياق- هو الذي خلق هذه الحالة من العداء…المنتشر

أعود وأقرر..

نحن ننتمي إلى مجتمع يؤمن بذهنية التحريم، ليس فقط الثقافة الجنسية هي المحرمة في مجتمعاتنا، بل كثيرا من نظريات الفكر والسياسة هي علينا من المحرمات .

مرة أخرى أنا لم أقل شيئا. فقط لخصت مفاهيم عامة من كتب عامة بعضها لم يسمع بسورية، لا أحد يتحسس مما كتبت، ولا أحد يأخذ على خاطره مني، ولا أحد يقطب جبينه، ولا أحد يذكرني بالطهورية الوطنية ضد التعصب الطائفي..

فكلنا نعتقد أن أمهاتنا حملن بنا في بطون أرجلهن، ومن هناك خرجنا..

دعا الناس إلى قراءة مئات الكتب في فضاء هذه الثورة، وإلى عشرات المحاضرات عن وطنية فارس الخوري المأسوف على ذكراه..

فقط أقول لعل فريق السهللة البهللة يصحو فيقرأ ثم يصحو فيصحو.

إنه واحد منهم!!

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1082