العدل الدولية والكيان الصهيوني: تكالب الذئاب
أن يصدر، متأخراً نحو 18 شهراً، خير من أن يبقى نائماً في الأدراج أو على رفوف المهملات.
هذا توصيف، إجرائي وبيروقراطي بادئ ذي بدء، يجوز أن يقترن بقرار محكمة العدل الدولية الأخير، الذي قضى بأنّ سياسات دولة الاحتلال الإسرائيلية الاستيطانية، واستغلالها للموارد الطبيعية في الأراضي الفلسطينية، تمثل انتهاكاً للقانون الدولي؛ وأنّ ترحيل سكان الأراضي المحتلة من أراضيهم كان «قسرياً» يخالف التزامات الاحتلال.
كذلك اعتبر القرار أنّ ممارسات وسياسات الكيان الصهيوني «تنتهك حقّ الفلسطينيين في تقرير المصير»، ونظام القيود الممنهج الذي فرضه الاحتلال على الفلسطينيين يعتبر «تمييزاً بناء على العرق». وخلصت المحكمة إلى أنّ هذه وسواها «ترقى لأن تكون ضمّاً لأجزاء كبيرة من تلك الأراضي على نحو غير قانوني».
وكما هو معروف، القرار لا يختلف عن أيّ وكلّ ما يصدر عن محكمة العدل الدولية من حيث أنه غير مُلزِم، فضلاً عن كونه في هذه الحالة يخرج حتى عن صيغة الشكوى الاتهامية (على غرار ما فعلت جنوب أفريقيا ضدّ الاحتلال الإسرائيلي)؛ لأنه، ببساطة، مجرّد رأي استشاري طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة، بموجب قرار يعود إلى أواخر كانون الأول (ديسمبر) 2022.
ثمة مكاسب معنوية عديدة بالطبع، وهذه سوف تتفاخر بها جهات فلسطينية وعربية وعالمية صديقة للقضية الفلسطينية، ولا تثريب عليهم في هذا، من باب أضعف الإيمان وأقصى المتاح. وثمة، أيضاً، ما هو منغّص على دولة الاحتلال وأنصارها من مدمني استهلاك المقولة الكاذبة الزائفة: أنّ الكيان الصهيوني دولة قانون، وأنه «واحة الديمقراطية الوحيدة» في الشرق الأوسط.
ففي سياق رأي سابق للمحكمة حول شكوى جنوب أفريقيا وملفّ الإبادة الجماعية، ثمّ سياق اضطرار كريم خان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى النظر في احتمال إصدار مذكرات توقيف بحقّ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير جيش الاحتلال يوآف غالانت؛ سوف يصعب على الكيان الصهيوني تسويق المزيد من أكاذيب تمكين مؤسساته ذاتها من تطبيق القانون.
وحتى قبل صدور قرار العدل الدولية الأخير، كان وزراء الائتلاف الحاكم في دولة الاحتلال قد شحذوا السكاكين للإجهاز على مستشارة الحكومة القانونية غالي باهاراف ميارا؛ رغم أنها لم تنبس، بعدُ، ببنت شفة ضدّ أيّ من غلاة وزراء نتنياهو، الذين أدلوا بتصريحات ترقى إلى المساءلة الجنائية في مسائل التحريض على إبادة الفلسطينيين.
وكان محرجاً (ليس أكثر، بالطبع) أن يسفّه خان، رسمياً وباسم الجنائية الدولية، ادعاءات الاحتلال بأنّ «مبدأ التكامل» ساري المفعول في النظام القضائي الإسرائيلي، وهذا يكفل استقلال القضاة وعدم خضوعهم للسيطرة السياسية. وفي لاهاي، وهناك فقط، ألمحت ميارا إلى أنّ مكتبها قد «يفتح» تحقيقاً جنائياً بصدد تصريحات بعض الوزراء، لكنها أهملت طلب المدعي العام عميت إسمان بالتحقيق مع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.
ويبقى الثابت أكثر، والواضح الصريح السفيه الصفيق، ردّ نتنياهو على قرار العدل الدولية الأخير: هذا «انحراف عن الحقائق التاريخية»، و«إنّ الشعب اليهودي ليس محتلاً، وهو في أرضه وفي عاصمته الأبدية، القدس»، و«لن يحرّف قرار زائف في لاهاي هذه الحقيقة التاريخية، ولذلك لن يكون هناك نزاع بشأن قانونية مستوطناتنا في كل بلادنا». ولا يتوهمنّ أحدٌ أنّ ما تسمي ذاتها «معارضة» إسرائيلية يمكن أن تعارض نتنياهو في هذا الموقف، إذْ سارع يائير لبيد إلى المزايدة بتصريح يصف القرار بأنه «منفصل، وأحادي الجانب، وملوّث بمعاداة السامية، ويفتقر إلى فهم الواقع على الأرض».
في عبارة أخرى، هنا أفضل تجليات «مبدأ التكامل» في دولة الاحتلال، حيث لا يُفسد أيّ خلاف واجبَ الذئاب في التكالب والاستيطان والتعطش للدماء والإبادة الجماعية.
وسوم: العدد 1088