أوروبا ودولة الاحتلال: الفارق الأخلاقي بين ماكرون وبوريل
ضمن التقاليد العريقة السائدة في مختلف مؤسسات الشطر الغربي من مسمى «المجتمع الدولي» ليس جديداً أن يقع تباين صارخ بين رأي الساسة حكام الديمقراطيات في الولايات المتحدة وأوروبا من جهة، وبين أعلى تمثيلات القانون الدولي وحقوق الإنسان التي تزعم الديمقراطيات نفسها أنها ابتكرتها وتواصل مساندتها من جهة ثانية. ولا تتفاقم هذه الظاهرة على النحو الأشدّ إمعاناً في التنافر مثلما حين يقترب الأمر من دولة الاحتلال الإسرائيلي وسياساتها العنصرية والاستيطانية والإبادية.
المثال الأحدث عهداً هو البيان الثلاثي المشترك الذي صدر مؤخراً عن زعماء فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وطالب «إيران وحلفاءها» بالامتناع عن تنفيذ أي هجمات ضد دولة الاحتلال، لأن خياراً كهذا سوف يتكفل بتصعيد التوتر في المنطقة، ويعرّض للخطر فرصة التوصل إلى وقف لإطلاق النار وتحرير الرهائن.
وإذا كان أمراً مألوفاً ألا يصدر عن هؤلاء الزعماء أيّ رد فعل، منفرد أو مشترك، بصدد جرائم الاغتيال التي عمدت إليها دولة الاحتلال بحقّ قادة الصفّ الأول في «حماس» و«حزب الله» فهل كانت الزعامات الفرنسية والألمانية والبريطانية نائمة عن جهود رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في تعطيل التوصل إلى أي صفقة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، بما في ذلك المبادرة التي طرحها كبير مناصري دولة الاحتلال الرئيس الأمريكي جو بايدن نفسه؟
وفي مقابل هؤلاء الساسة الذين يحكمون ثلاثاً من أبرز الديمقراطيات الغربية في أوروبا، يُضاف إليهم مواقف الرهط المكمّل في مجموعة السبع حيث لا يختلف الموقف قيد أنملة، لافت أن جوزيب بوريل المسؤول الأرفع عن الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، لا يخالف الساسة حكام فرنسا وألمانيا وبريطانيا فقط، بل يبدو أقرب أيضاً إلى مخالفة السياسة الرسمية العليا التي تتبعها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.
ولم يشذب بوريل لغته عند التعليق على تصريحات وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الذي طالب نتنياهو بقطع الوقود والمواد الغذائية عن سكان القطاع، لأن ذلك «سوف يركّعهم على الركب» خلال أسبوعين، فاعتبر هذه الأقوال «تحريضاً على ارتكاب جرائم الحرب» وطالب الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على بن غفير. كذلك لم يهذب بوريل تغريداته في التعليق على أقوال وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموترتش، الذي اعتبر أن تجويع مليونَين من سكان قطاع غزة عن طريق قطع الأغذية أمر «مبرر أخلاقياً» فوصفها بـ«التصريحات الشريرة» التي تستوجب المحاسبة وفرض العقوبات.
من جانبه كان فولكر ترك، المفوض الأعلى لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، قد أعرب عن «الصدمة والهلع» حيال تصريحات سموترتش، معرباً عن إدانته لها «بأشدّ العبارات» لأنها أيضاً تتضمن «التحريض على الكراهية بحقّ مدنيين أبرياء».
ذلك بعض التناقض الصارخ بين صمت أمثال الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون عن جرائم حرب دولة الاحتلال، وبين صحوات ضمير أمثال بوريل في قلب المؤسسات ذاتها التي يتغنى بها زعماء الديمقراطيات الغربية. والفارق هنا أخلاقي أولاً، قبل أن يكون سياسياً أو ذرائعياً.
وسوم: العدد 1091