معركة طائفية مفتعلة لنسيان فلسطين
لا تترك القوى الخارجية الاستعمارية ـ الصهيونية والقوى الداخلية المجنونة حدثاً في الأرض العربية، من دون أن تحاول خلط الحابل بالنابل من أجل إضاعة أصل وأسباب الحدث، وتوجيهه لخدمة مصالحهم الاستعمارية والانتهازية. هذا ما نراه أمامنا حالياً حاصلاً بالنسبة لموت القائد التاريخي للمقاومة اللبنانية منذ بضعة أيام، على يد جيش الكيان الصهيوني في الضاحية الجنوبية من بيروت.
الأصل الذي يراد نسيانه هو الوجود اللاشرعي للاحتلال الاستئصالي الصهيوني لفلسطين، وتاريخه الطويل من القتل والإذلال والتهجير، ومؤخراً حدوث ما وصفته محكمة العدل الدولية والمنظمات الحقوقية والإنسانية بالإبادة الإجرامية في غزة والضفة الغربية لآلاف الأطفال والنساء الأبرياء من شعب فلسطين، وما تبعه من تدمير وقتل جنوني حقير لبيئة وشعب لبنان بصور هولوكوستية بشعة لم ير العالم مثلها: المطلوب هو وضع كل تلك الحقائق والصور البشعة جانباً، واستبدال ذلك الأصل بإثارة معركة عبثية مذهبية طائفية ما بين الشيعة والسنة.
الزج الدائم بالقضايا الطائفية المذهبية والدينية، وبالمماحكات القبلية والعرقية من أجل خلط الأوراق وتشويه كل ما هو نبيل في الحياة السياسية العربية يحتاج أن يرفض بصوت عال لا غمغمة فيه
فجأة تمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي بحضور صاخب لبعض جهلة الشيعة الذين يريدون أن يجعلوا ما حدث في الضاحية الجنوبية مأساة حسينية كربلائية أخرى، بدلاً من رؤيتها كفاجعة نضالية للمقاومة العربية البطولية، فيردّ عليهم بعض جهلة السنة بتعابير الاستهزاء والشماتة بالحدث المفجع. وإذا بنا ننساق إلى ما يريده الإعلام الاستعماري الصهيوني وأعوانه في الخارج والداخل من جعل العالم، الذي اكتشف مؤخراً بشاعات الصهيونية بأقسى وأحقر صورها، وغيّر قناعاته السابقة بشأن ديمقراطية ومدنية ومظلومية الوجود الصهيوني في فلسطين المحتلة، ما جعله ينسى تعاطفه مع مآسي وحقوق شعب فلسطين، لتحلّ محلّ تلك الصورة صور البلادات والمماحكات التاريخية المذهبية الطائفية، بين بعض مكونات المسلمين العرب، من الذين بقصد أو من دون قصد ينتهون إلى إيذاء وتهميش الموضوع الفلسطيني برمّته، وهو ما تسعى إليه القوى الصهيونية وحلفائها الأمريكيين والأوروبيين. ذلك أن بقاء الهولوكوست الصهيوني بحق الفلسطينيين حيّاً في عقول ونفوس شعوب العالم، قد يصرف نظر العالم، ولو مؤقتاً، عن تذكر الهولوكوست النازي، وهو قميص عثمان الذي لن يتعب الصهاينة من رفعه عبر القرون من أجل ابتزاز ضمير العالم وجعله يقبل جرائم الاحتلال الدموي في فلسطين المحتلة.
من هنا الأهمية القصوى لأن يعي شباب وشابات العرب، والمسلمين من غير العرب ما يخططه هذا البعض، وأن يتجنبوا الدخول في فخّ هذه المؤامرة. إذ أن أشدّ ما يحتاجه الشعب الفلسطيني في محنته الجديدة الحالية هو وجود مقاومة متماسكة مستمرة شريفة حامية له من الإبادة اللاإنسانية اللاأخلاقية، التي تخطط لتنفيذها خطوة خطوة قوى اليمين الصهيوني المجنونة، بدعم، مع الأسف الشديد، من قبل المسيحية الصهيونية الأمريكية، ونظام الحكم الذي يأتمر بأمرها، ومن قبل أنظمة حكم بعض دول أوروبا الغربية الاستعمارية مثل إنكلترا وفرنسا، ومن قبل ألمانيا التي تريد أن تعوّض عن ذنوبها النازية بالتضحية بشعب فلسطين البريء الذي لا ذنب له إلا أن يكون موجوداً في أرض آبائه وأجداده، الأرض التي تتعامل الصهيونية معها ومع شعبها من خلال أساطير دينية ملفّقة لا يسندها اليهود الشرفاء ولا التاريخ المعروف.
إن هذا الزج الدائم بالقضايا الطائفية المذهبية والدينية، وبالمماحكات القبلية والعرقية من أجل خلط الأوراق وتشويه كل ما هو نبيل في الحياة السياسية العربية يحتاج أن يرفض بصوت عال لا غمغمة فيه، من قبل الشباب والشابات المناضلين الشرفاء.
وسوم: العدد 1096