نفاق حلف الممانعة ولبنان هو الضحية..
هذا هو لبنان وهذا حاله منذ عُقود، فالمحاصصة السياسيّة التي فُرضت عليه منذ عام 1989 جعلته هشّاً تتحكّمُ فيه إداراتٌ عِدّة حسب الطوائف التي تتشكّلُ منها الدولة اللبنانية كالمسلمين السنّة، والمسيحيّة، والشيعيّة، والدرزيّة. إضافة إلى التوجهات السياسيّة، ففئةٌ مرتبطةٌ بالغرب، وفئةٌ بالشرق الإيراني، وفئة بالشرق السعوديّ، ناهيك عن التدخّلات الخارجيّة المصيريّة في لبنان، إلى حَدّ انعدام القرار السيادي فيه، كتدخلات فرنسا والسعودية وإيران والنظام السوري. كلُّ ذلك أضعفَ وأوهنَ القيادةَ والسيادةَ اللبنانيّة وأنهشَ في كيانها وبنيتها.
كما أنّ جِوار لبنان لفلسطين وتماسّها مع الكيان الصهيوني بشكلٍ مباشر شكّلَ خَطّاً دفاعيّاً (وهميّاً خُلبيّاً) يتزعمه "حزب الله" الذي أخذَ على عاتقهِ حماية الأراضي اللبنانيّة، وكانت تابعيتهُ بشكلٍ كاملٍ لإيران سياسيّاً وعسكريّاً وفكريّاً.
هذه الجبهة - حزب الله - أنهكتْ لبنان أكثر ممّا أنهكتها سياسة المحاصصة، فمنذ أربعين سنة تقريباً لم تستطع لبنان رفعَ رأسها، فهي تتعرّضُ لضربةٍ تلو الضربة، أمّا الإرهاق الحقيقي فقد جاءها مِن التدخّلات الإيرانيّة والسوريّة، حتى باتت لا تقدرُ على اتخاذ أيّ قرارٍ إلّا بتوجيهاتٍ من طَهران ودِمشق.
وفي ظلِّ هذه التدخلات قام حزبُ الله اللبناني بارتكابِ طامّات كبيرة، سياسيّة وعسكريّة، بدأت بمداهنة الكيان الصهيوني منذ عام 2006 إلى بداية هذه السنة. فقد قصفت إسرائيلُ العديد مِن القطعات والأرتال والمخازن العسكريّة التابعة للحزب في لبنان وسورية والعراق، هذا ولم تلق كلّ هذه الاعتداءات أيّ رَدّ يُذكر من قِبل الحزب.
وزادت إسرائيل انتهاكاتها باغتيال أكثر مِن شخصيّة قياديّة للحزب، فاتخذَ الحزبُ مع تلك الأحداث أُذناً مِن طِين وأخرى من عَجين.
ومما أضعفَ الحزبَ خارجياً مُشاركتُهُ لسفاح سورية بشار الكيماوي في قتلِ مليون شهيد سوري، وتهجير الملايين من أهل سورية تحت سيف الطائفيّة، وهذا ما جعل رصيد الحزب ينخفض إلى أدنى مستوياته، فقد أغرقَ في دماء السوريين وأعراضهم، إضافة إلى الممارسات الطائفية السيئة التي انتهجها ضدّ المُهجّرين السوريين في لبنان.
وفي عملية طوفان الأقصى لم تكن فاعلية الحزب على مستوى المسؤولية والحدث، ولا متناسبة مع كلامه وتصريحاته الناريّة الخُلبيّة، فردَّة فعله لم تتجاوز دغدغة الصهاينة بقصف يومي على عواميد كهربائيّة، وأحراج في مناطق حدوديّة شبه صحراوية وغير مأهولة.
وتجلّى الوهن والضعف لحزب الله بعد قيام إسرائيل باختراق كافّة عناصر الحزب عبر تفجير آلاف أجهزة الاتصال "البيجر" بعد تفخيخها ما أدّى إلى مقتل وعطب وإعاقة الآلاف من الفئات العسكريّة والقياديّة في الحزب.
وتبعه تفجير أجهزة اللاسلكي بنفس الطريقة، ثمّ قصف اجتماع لقيادةِ الحزبِ أودى بحياة جميع مَن كان في الاجتماع.
هنا جَنَّ جنون الحزب، فقام بقصف مواقع عسكريّة (هذه المرّة كان القصف حقيقياً) فأوجع الكيان الصهيوني ما جعله يَردّ بقصفٍ عنيفٍ لجميع مواقع الحزب في الجنوب اللبناني، والضاحية الجنوبيّة من بيروت.
أمّا بالنسبة لإيران الأمّ الحانية الرؤوم لحزب الله فلم تُحرِّك ساكناً على الإطلاق، بل صرّحَ رئيسها الجديد بأنّه لا عداوة بين إيران وأمريكا. وبعدها قامت إيرانُ بتهديد قصفِ إسرائيل ردّاً على اغتيال "إسماعيل هنية" في إيران، وبعده "حسن نصر الله" في الضاحية الجنوبيّة في لبنان، واستمرَّ مسلسل التهديد لأكثر مِن أسبوع، أظنّ خلاله تمَّ تحديد المواقع المُستهدفة في إسرائيل وتبليغ الأمن الإسرائيلي عنها، وهدف إيران من القصف حِفظ ماء وجهها أمام شعبها وأتباعها، وفعلاً قامت إيران بقصف إسرائيل بـ 180 صاروخاً - منزوع الفاعلية والقوة والتأثير - صوتياً، سقط بعضها في سورية، وبعضها في الأردن، وبعضها في غزّة، وبعضها في جنوب لبنان، وقد قتلت كلُّ تلك الصواريخ شخصين عربيين مُسلمين، أحدهما أردني والآخر غزاوي، وباقي الصواريخ سقطت بأمان في أماكن فارغة تماماً في إسرائيل، دون أيّ أضرار تُذكر ولا حتى ماديّة، واستمر القصف مدة تجاوزت الربع ساعة بقليل، أُجبرت فيها بعض أفراد الاحتلال على النزول إلى الملاجئ، أما معظمهم فقد كان يوثّق تلك اللحظات التاريخية المثيرة بالتقاط الصور وتسجيل الفيديوهات والسماء تتزين بالألعاب الناريّة الإيرانيّة.
وأمّا النظام السوري فقد صمَّ وعميَّ وبكمَ كعادته عن مُساندة حليفهِ القوي - الحزب - الذي وقف معه ومنع سُقوطه منذ عام 2012، فقد اتّبع النظام هذه المرّة سياسة لبنان المعهودة في النأي عن النفس، "ويا دار ما دخلك شر"، "وألف عين تبكي ولا عين أمي"..
وها هو اليوم لبنانا الحبيب تُدمّره إسرائيل المتوحشة، وهو حصيلة خذلان حزب الله للمظلومين ووقوفه مع الظالمين، وتكاسله عن دعم غزة في بداية الطوفان، وتبعيته العمياء لإيران والنظام السوري اللذين تركاه بين أنياب الصهيونية وتخليا عنه، وهو الآن يحتضر..
أمّا شعب لبنان فهو شعب طيّب ومخدوع، ومغلوب على أمره، عاش حياته ينتقل مِن جبهةٍ إلى جبهة، ومِن ولاء إلى ولاء، حتى باتت سياسة لبنان كسياسة الغاب، لا دوام فيه إلّا للقوي، ولا حياة فيه إلا للتوحّش والافتراس.
وأعتقدُ أنّه قد آن اليوم أوان خروجِ لبنان مِن هذا المُستنقع الذي طبسَ فيه حتى شُلتْ حركته أو كادتْ، ليقول كلمته التي تأخرت كثيراً، فلا نجاة إلّا بسفينة الوحدة بين جميع فئات الشعب، والوقوف في وجه ذلك الطغيان الداخلي الطائفي الفاسد - حزب الله - الذي خَرّب البلد وأضعفه وجعله فِرقاً وأشتاتاً، وأخّرهُ خمسين سنة للوراء، بل وساهم في خرابِ البلادَ المجاورة أيضاً.
وعليه أن يُصرَّ على طَردِ ذلك المُحتلّ الغاشم الذي مَصّ خيرات لبنان، ونفثَ فيه البلاءَ والوباءَ والعداءَ ذلك هو المحتلّ الإيراني، الذي ما أراد الخير لبلد عربي قطّ، ولا لأيّ بلدٍ مُسلم، بل همّهُ الوحيد هو إنشاء مملكته المجوسيّة الرافضيّة الطائفية التوسعيّة، والقضاء على الثقافة العربية والإسلامية التي بدونها تذهب المنطقة وشعبها إلى الجحيم وهذا ما تبحث عنه إيران وإسرائيل معاً.
وسوم: العدد 1104