نتنياهو في المحكمة: الجنايات الدولية أجدر بمجرم حرب

«لا تخدعنكم عناوين الصباح في الصحف، فحتى الأسماك النافقة ستشعر بالعار إذا لُفّت بتلك الأوراق» يهتف أميت هاليفي عضو الكنيست تعليقاً على مثول رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أمام المحكمة للإدلاء بشهادته للمرة الأولى منذ اتهامه سنة 2019 بالاحتيال والرشوة وخيانة الأمانة. ولا يتردد هاليفي في استخدام لغة ديماغوجية صفيقة، فيضيف أن هذه «ليست محاكمة بل جريمة كراهية» دافعها «نوع الكره ذاته الذي يحرّك الجهاديين، وهي حرب مقدسة ضد ما يمثله نتنياهو من قيم وجمهور».

على الجانب الآخر، في صف ما يُسمى «المعارضة» الإسرائيلية، يعلق يائير غولاني زعيم الحزب الديمقراطي أن نتنياهو، منذ أن وُجهت إليه اتهامات جنائية، «شنّ خمس حروب ضد دولة إسرائيل، ومنذئذ دُفعنا إلى خمسة انتخابات، وانقلاب مجنون مزّق أوصال الأمة، ومجزرة لم يسبق لها مثيل منذ صعود الصهيونية. ولقد فشلت كل حيلة وخدعة حاول نتنياهو تجريبها لمنع المحاكمة».

وأما نتنياهو نفسه فقد اعتبر أن القضية «حملة شعواء» نافياً كل الاتهامات الموجهة إليه، ومعتبراً أن «التهديد الحقيقي للديمقراطية في إسرائيل لا يشكله ممثلو الجمهور المنتخبون، بل بعض أفراد سلطات إنفاذ القانون الذين يرفضون قبول اختيار الناخبين ويحاولون تنفيذ انقلاب من خلال تحقيقات سياسية مسعورة غير مقبولة في أي ديمقراطية». ولم يكن غائباً عن الأذهان أنه رئيس الحكومة الأطول عهداً في تاريخ دولة الاحتلال من جانب أول، وأنه من جانب ثان يسجّل سابقة مثول رئيس وزراء على رأس عمله يُحاكم لارتكابه جرائم وجنايات.

ورغم سلسلة التخرصات الصهيونية حول نزاهة القضاء الإسرائيلي وعمل المؤسسات داخل «الواحة الديمقراطية الوحيدة» في الشرق الأوسط، فإن المكان الأجدر باقتياد نتنياهو إلى قوس العدالة والقانون هو المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت لتوها مذكرتَي اعتقال بحقه، صحبة وزير دفاعه المقال يوآف غالانت. كلاهما مجرم حرب بامتياز، سلوكاً في كل شبر من قطاع غزة، ومسؤولية عن عشرات المجازر التي أودت حتى الساعة بعشرات الآلاف من الضحايا والمفقودين، وقصف المشافي والملاجئ والخيام والمدارس والمساجد والكنائس، وتصريحات عنصرية وهمجية تستهوي تحويل البشر إلى حيوانات وتتلذذ بتجويع الأطفال والنساء والشيوخ وتشريدهم.

وكان نتنياهو استبق شهادته أمام محكمة تل أبيب بمؤتمر صحافي أعاد خلاله التشديد على مقاصده الفاشية والبربرية، ليس ضد قطاع غزة والضفة الغربية والقدس المحتلة وفلسطين فقط، بل تجاه منطقة الشرق الأوسط بأسرها وكما تتشهى صياغتَها استيهاماتُه العنصرية المريضة بغطرسة القوة والعدوان، والمسلحة بمساندة مفتوحة من الإدارة الأمريكية الراهنة، ومساندة أشد عشوائية من إدارة دونالد ترامب المقبلة.

وفي السياق لم يكن جيش الاحتلال غائباً عن مشهد يجمع بين الهمجية والمهزلة القضائية، فارتكب مجزرة جديدة في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة استهدفت منزلاً يأوي أسرتين وأسفرت عن استشهاد 25 فلسطينياً، وما تزال الجثث تحت الأنقاض لتعذر وصول فرق الإنقاذ بسبب استمرار القصف.

محاكمة نتنياهو قد تستغرق سنوات، لكن مآلاتها واضحة حتى قبل ابتدائها، ومجرم الحرب طليق طائش متعطش للدماء.

وسوم: العدد 1106