التكلفة الباهظة إسرائيلياً لحرب غزة
أغلب العرب، بمن فيهم المحللون والمراقبون والمختصون، لا يخطر ببالهم النظر في الخسائر والتكاليف التي تكبدتها إسرائيل خلال الحرب الطاحنة، التي شنتهالى غزة، وذلك بطبيعة الحال لأن الخسائر الفلسطينية أكبر بكثير، وأكثر إيلاماً بكثير وهذا لا شك فيه، إذ أنها حرب إبادة كان القرار الإسرائيلي منذ يومها الأول واضحاً وهو أنه يُراد للفلسطينيين أن يعيشوا «نكبة» جديدة.
ورغم أن الفلسطينيين تكبدوا خسائر بشرية ومادية كبيرة جداً وقاسية جداً، إلا أن هذا لا يعني أن الإسرائيليين ينامون على الحرير وإنما تكبد الاحتلال خسائر كبيرة، سيظل يعاني من تداعياتها لسنوات عديدة مقبلة، وهي خسائر شملت مستويات عدة سواء ما يتعلق بالإصابات البشرية خلال هذه الحرب، أو بالتكاليف المادية الباهظة لكل هذا القصف والتدمير والحرق، إذ تكاد تكون تكلفة القنبلة أكبر من تكلفة الدمار الذي تحدثه على الأرض عندما تهبط على مواقع فتقوم بتدميرها. وقبل أيام نشرت جريدة «هآرتس» العبرية تقريراً يكشف أن «المحاسب العام في إسرائيل» توقف عن نشر التقارير الشهرية التي ترصد تكلفة الحرب على قطاع غزة ولبنان، وهو – حسب الصحيفة – يضع علامة استفهام حول أسباب هذه الخطوة، وما إذا كان لدى الحكومة الإسرائيلية قرار بمزيد من التغطية على التكاليف والخسائر لهذه الحرب.
كشفت وزارة الحرب الإسرائيلية مع بداية الهدنة الحالية، أن قسم التأهيل التابع لها يقوم بمعالجة أكثر من 15 ألف جريح من عناصر الجيش وقوات الأمن، جميعهم أصيبوا في الحرب على غزة
الصحيفة تقول إن تكلفة الحرب التي تخوضها إسرائيل لم يعد واضحاً، ولا معلوماً منذ بداية العام الحالي 2025، وهو ما يؤكد أن لدى دوائر صنع القرار الإسرائيلي رغبة بإخفاء الخسائر الاقتصادية، وذلك على غرار الجيش والجهاز العسكري الذي يُخفي الكثير من المعلومات والتفاصيل عن خسائره في غزة، ويسمح بنشر شيء محدود فقط. أهم ما جاء في تقرير «هآرتس» هو، أن تكلفة الحرب على غزة خلال العام الماضي 2024 كاملاً بلغت في مجملها 150 مليار شيكل إسرائيلي، أي نحو 41 مليار دولار أمريكي تقريباً، وهو رقم فلكي وكبير جداً سيعني أن إسرائيل تحتاج لسنوات طويلة من أجل تعويضه. وهذا الرقم الضخم هو الذي يُفسر لماذا تسببت موازنة عام 2025 بأزمة سياسية داخل إسرائيل، حيث إن الموازنة الحالية تتضمن خفضاً في الإنفاق وزيادات ضريبية قدرها 37 مليار شيكل (أكثر من 10 مليارات دولار)، من أجل السيطرة على العجز في ظل ارتفاع تكاليف الحرب. هذه الأرقام تعني أنه في حال لم يتم استئناف الحرب، وتوقفت خسائرها الاقتصادية على ما تم إنفاقه في عام 2024، فإن الإسرائيليين بحاجة إلى نحو 4 إلى 6 سنوات من أجل تعويض ما تم إنفاقه.
على المستوى البشري فإن المعلومات تتضح تدريجياً عن خسائر أكبر مما كان يسود الاعتقاد به، حيث كشفت وزارة الحرب الإسرائيلية مع بداية الهدنة الحالية، أن قسم التأهيل التابع لها يقوم بمعالجة أكثر من 15 ألف جريح من عناصر الجيش وقوات الأمن، جميعهم أصيبوا في الحرب على غزة التي بدأت في السابع من أكتوبر 2023. وهذا الرقم يفوق بكثير ما أعلنه الجيش الإسرائيلي، وهو إصابة 5667 عسكرياً منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى التوصل إلى التهدئة الحالية. ومن اللافت أيضاً أن الـ15 ألف مصاب هم الجنود الذين أصيبوا في غزة والضفة الغربية ولبنان والمناطق داخل الخط الأخضر، ولا تشمل هذه الأرقام عناصر الشرطة الإسرائيلية وجهاز الأمن العام (الشاباك)، ولا المستوطنين في الضفة.
هذه الأرقام كلها، سواء على المستوى البشري أو على مستوى التكلفة الاقتصادية، تعني بأنَّ اسرائيل تكبدت خلال هذه الحرب الخسائر الأكبر في تاريخها على الإطلاق؛ إذ إنَّ كل الحروب التي خاضتها سابقاً مع العرب لم تكن على هذا المستوى وهذه الدرجة من العنف والتكلفة، كما إنها على المستوى الاقتصادي سوف تعاني لسنوات طويلة مقبلة بعد أن تكبدت خسائر تزيد عن تلك التي تكبدتها في أي حرب سابقة أو خلال أية أزمة اقتصادية مرَّت مثل كورونا أو الأزمة المالية العالمية.
وسوم: العدد 1120