حقيقة المعركة وجذور الصراع

د. أحمد سعيد حوى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين

نتناول في هذا البرنامج عددا من القضايا التي تهم الشأن السوري في هذه الثورة السورية المباركة, لعلنا نضع أيدينا على مواطن الجرح و نعالجها من خلال النصوص و القواعد الشرعية.

سنتناول في لقائنا الأول موضوعاً هو في غاية الأهمية , نبين فيه حقيقة هذه المعركة وهذه الثورة وحقيقة المعركة التي فرضت علينا , لا لنكتفي ببيان الحكم الشرعي , ولكن لنبين أن النصوص الشرعية أشارت وبدقة إلى هذه المرحلة التي نعيش فيها , وليظهر لكل ذي عين أن المؤامرة قديمة وأن المؤامرة على هذه الأمة وعلى دين هذه الأمة كبيرة , ولكن أيضاً نقول كما قال الله تعالى : (يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) .

منطلق حديثنا من أحاديث حذيفة (ر) , ولمن لا يعلم فإن حذيفة (ر) هو أمين سر رسول الله (ص) , أضف إلى ذلك أن حذيفة (ر) اختص بأمرٍ آخر عبَّر عنه هو بقوله : كان الناس يسألون رسول الله (ص) عن الخير وكنت أساله عن الشر مخافة الوقوع فيه .

ولسنا هنا بصدد الوقوف على هذا الشر من باب التثبيط , ولكن من باب تشخيص الواقع , ثم إنه قد جاء في الحديث عن النبي (ص) أنه قال : ( إنه لم يكن نبيٌ قبلي إلا كان حقاً عليه أن ينذر أمته شر ما يعلمه لهم وأن يدلهم على خير ما يعلمه لهم) , وبالفعل قد حصل ذلك وجاء في أحاديث كثيرة عن النبي (ص) , والذي نقصده هنا ما صح من الأحاديث عن رسول الله (ص) , جاء في الصحيحين من حديث حذيفة (ر) أنه قال : ( قلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر حتى جاء الله بهذا الخير – يقصد النبوة وبعثة محمد (ص) – فهل بعد هذا الخير من شر .

ونلاحظ أن النبي (ص) لم يبين ما هو هذا الشر , لكن قال سيكون شر بعد هذه المرحلة , بعد وفاة النبي (ص) .

وجاءت الأيام فيما بعد لنعلم أن النبي (ص) قصد بذلك ما كان من فتنة واقتتال بين أصحاب رسول الله (ص) , لكن لا ننسى أيها الأخوة ولا ينبغي أن يغيب عن بالنا من هم دعاة هذه الفتنة , من هم أسباب هذه الفتنة , كيف وقعت هذه الفتنة , ليتضح لنا بجلاء أن هذه الفتنة التي أدت إلى اقتتال بين أصحاب رسول الله (ص) إنما نشأت عن كيدٍ يهودي صفوي , بمعنى أن هناك تآمراً قاده عبد الله ابن سبأ اليهودي وأبو لؤلؤة المجوسي , هذا الكيد المجوسي والكيد اليهودي لهذه الأمة هو أول كيد وجد في هذه الأمة وسيتكرر عبر التاريخ ,ونحن نعيش الآن أيها الأخوة مرحلة من مراحل هذا الكيد وهو حقيقة كيدٌ مجوسي أو كيد صفوي شعوبي حاقد على هذه الأمة اجتمع مع كيد صليبي صهيوني عالمي .

المهم يا أخوة , أن النبي (ص) أخبر أنه سيكون شرٌ بعد انقضاء مرحلة النبوة , فيسأل حذيفة (ر): هل بعد هذا الشر من خير ؟ فقال (ص) : نعم , وفيه دخن , يريد أن يبين النبي (ص) أنه سيكون خير بعد تلك الفتنة وبعد ذلك الاقتتال , لكن أيضاً فإن هذا الخير تشوبه شائبة , لا يسلم هذا الخير من بعض الشوائب , ولم يبين النبي (ص) ما هذه الشوائب لكن سأله حذيفة (ر) قلت : ما دخنه ؟ قال : قومٌ يهدون بغير هديي ويستنون بغير سنتي تعرف منهم وتنكر .

إخواننا , أعطى النبي (ص) هنا أوصافاً , لكن فهمنا من آخر الحديث أن النبي (ص) أراد بذلك الفرق لأنه حذر من هذه الفرق في نهاية الحديث .

إخواننا , الواضح أن أعداءنا الذين حاولوا أن يمزقوا هذه الأمة أو أن يبعدوها عن دينها من خلال الفتنة الأولى , فتنة استهداف الخلفاء الراشدين (ر) وقتلهم واغتيالهم , كقتل عمر وعثمان وعلي (ر) , أدرك هؤلاء أن هذا النوع من الفتنة لم يُجْدِ – خصوصاً بعد أن اجتمعت كلمة الأمة على معاوية رضي الله عنه في عام الجماعة – انتقلوا إلى نوع آخر من الفتن , وهو الفتن من خلال إنشاء الفرق التي تشوش على الناس في دينها وعقيدتها .

يسأل حذيفة (ر) : فهل بعد هذا الخير من شر – بعد الخير الذي يخالطه دخن – هل يأتي بعد ذلك شر  , فقال (ص) : نعم – ما هو هذا الشر – قال : دعاة على أبوب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها .

إخواننا , ولولا أن الكلام جاء عن النبي (ص) وصح وقد جاء في الصحيحين لاستغربنا , فكيف يقول دعاة ثم يقول على أبواب جهنم , فأنا أفهم أو أتوقع أن يكون الداعي يدعو إلى خير , أما أن يكون الداعي يدعو إلى جهنم , فهذا مستغرب !!,  وأشد منه غرابة أنك تجد من يستجيبون لهؤلاء , لذلك قال : دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها .

كيف يكون هذا ؟ ومتى كان هذا ؟!

يا أخوة , علماؤنا بينوا أننا نعيش هذه المرحلة , وليس اليوم وليس بالأمس فقط وليس من بداية هذه الثورة أو هذه المعركة بل من قرابة قرن من الزمان , وسنأتي بالأدلة ربما في جلسات تالية لنضع النقاط على الحروف ونقف على مفاصل دقيقة في مراحل معينة مرت بها الأمة وأخبر عنها  النبي (ص) , لكن نشير هنا , أيها الأخوة , إلى إضاءات ثبتت في أحاديث عن  النبي (ص) , طبعا لما قال : دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها , قدرنا أن هؤلاء الدعاة لا بد لهم من سطوة وسلطان , وإلا فكيف يدعون الناس إلى جهنم ثم يستجيب لهم الناس ؟! وفعلاً جاءت أحاديث أخرى عن  النبي (ص) تشير إلى هذه المعاني وإن كان بعض الأحاديث ربما كان فيه مقال لبعض أهل العلم , لكن نقول في هذا الباب : ما جاء من الأحاديث مندرجاً تحت أصلٍ ثابتٍ أو جاء الواقع مصدقا له , فهذا يرجح بل يؤكد صحته عن  النبي (ص) خصوصاً عندما يكون إخبار عن قضايا غيبية ستأتي في المستقبل , فهذه ليس لأحد من الناس أن يتوقعها ثم  تأتي كما توقعها كذلك .

جاء في الأحاديث عن  النبي (ص) : ( ألا إن السلطان والقرآن سيفترقان فدوروا مع القرآن حيث دار ) متى افترق القرآن والسلطان , إلا أن نقول بعد أن أقصيت هذه المظلة , مظلة تحكيم الشريعة الاسلامية في هذه الأمة إلا بعد أن أسقطت الخلافة , وأقصي الدين جانباً , والأحاديث أشارت إلى هذا , وسنأتي في جلسات أخرى لنتكلم عن أحاديث عودة الخلافة الراشدة , الخلافة التي تكون على منهاج النبوة , ونعرف بالضبط متى بدأت هذه المرحلة .

إذاً هناك سلطان يدعو إلى جهنم , وهذا الواقع الذي انتهى إليه حال أمتنا في هذا القرن ولا حول ولا قوة إلا بالله , إذاً أقصي الدين جانباً , أسقطت الخلافة الإسلامية , ونحن نقرأ أنه ربما في المراحل الأخيرة كان هناك ضعف , كان هناك تمزق , كان هناك أمراض , كان هناك تراجع أو خلل لكن لا يبرر ذلك أن الأمة أعرضت عن الدين أو ليست بحاجة إلى هذا الدين أو ليست بحاجة إلى هذه المظلة لتفرض علينا بعد ذلك مظلات أو مرجعيات علمانية أخرى كافرة .

يا أخوة جاء في الحديث أيضاً عن  النبي (ص)  أنه قال : (لتنتقضن عرى الاسلام عروةً عروة , أولها نقضاً للحكم وآخرها الصلاة) , وبالفعل هذا الذي حصل , عندما اسقطت الخلافة العثمانية نقضت العروة الأولى , قد يقول قائل: وماذا كان حال الأمة قبل ذلك ؟! الذي كان يا أخوة نقر أنه ربما مرت على هذه الأمة مراحل أو ولايات أو إمارات أو حتى خلافات كان فيها شيء من الانحراف أو الظلم , لكن في الجملة كانت المظلة التي تحكم الأمة هي مظلة هذا الدين ,لم يكن لهذه الأمة مرجعية أخرى غير المرجعية الإسلامية , لم يكن لهذه الأمة دستور غير دستور القرآن وسنة محمد (ص) , لكن عندما اسقطت الخلافة اختلف الأمر , و السبب أن أعدائنا - و قد درسوا تاريخنا بأدق تفاصيله - انتهوا مع بدايات القرن الماضي و ربما قبل نهايات القرن الذي سبقه حيث كانوا يدرسون حال هذه الأمة ويتساءلون ما الذي يجمع هذه الأمة , فكان الجواب : يجمع هذه الأمة الخلافة والكعبة , وبالفعل فالخلافة هي رمز السلطان السياسي الواحد لهذه الأمة , والكعبة هي قبلة المسلمين , فعملوا جاهدين على اسقاط هذه الخلافة الرمز السياسي ورمز وحدة هذه الأمة ورمز اجتماع كلمة الأمة بمرجعيتها الاسلامية وكانت الشروط بعد ذلك على هذه البلاد على وكلاء المستعمرين الذين تولوا الحكم في هذه البلاد ألا يعود الدين إلى حياة الأمة .

أقصي الدين جانباً وحورب الدين وقنن للفساد والفجور والفواحش والمنكرات , والرذائل تحمى بقوانين في بلاد المسلمين ثم يقال لك إن هذه بلاد اسلامية ؟! .

هذه بحق المرحلة التي أخبر عنها  النبي (ص)  : ( دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ) , قال حذيفة (ر) يا رسول الله صفهم لنا , قال : هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا , إذاً ليس الكلام عن أعداء خارجيين أو عن غزاة ولكن الكلام هنا عن كيد داخلي , حيث قال : ( هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ) , فالمستعمر إذاً وجد من أبناء البلاد من يقوم بالمهمة نيابة عنه فلماذا يأتي بجيوشه وأساطيله أو لماذا يبقي أبناءه وجنوده في بلادنا يعرضهم للقتل والموت ؟! جيءَ بهذه الأنظمة العميلة التي كلفت بمهمة واضحة وهي اقصاء الدين من حياة الأمة , إبعاد الأمة عن دينها , اغراق الأمة في الملذات والشهوات وصدها عن دين الله , وأيضاً للقيام بأدوار أُخر سنشير إليها فيما بعد ولعل من أبرزها حماية هذا الكيان الغاصب لفلسطين لأنهم أدركوا عندما درسوا تاريخنا أن هذا الكيان الغاصب لا يمكن أن يبقى إلا بحماية .

يقول بعد ذلك حذيفة (ر) وهو يتلمس لنا طريق الخلاص , قال : فما تأمرنا عند ذلك يا رسول الله؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم , قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام – لاحظوا السؤال دقيق , فهو ينفي الأمرين معاً – قال : اعتزل تلك الفرق كلها – ولاحظوا الآن ذكر الفرق , في بداية الحديث لم يذكرها –  قال : اعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك .

نلاحظ أنه عندما قال : ( فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ) هذا احتمال من الاحتمالات العقلية , فهناك احتمال آخر , ألا يكون لهم إمام , لكن لهم جماعة , وبالتالي فإن عليك أيضاً أيها الأخ المسلم أن تكون مع جماعة المسلمين ولا نقول هنا بمبدأ الاحتكار بل نقول – بفضل الله تعالى – قامت جماعات اسلامية كثيرة تسعى إلى إعادة تحكيم الاسلام في بلاد المسلمين , تسعى إلى إعادة الدولة الاسلامية , تسعى إلى إعادة الخلافة الاسلامية الراشدة إن شاء الله .

نسأل الله تعالى أن نكون من جنود هذه الدعوة ومن جنود هذه الدولة القادمة ومن جنود هذه الخلافة التي بشر بها  النبي (ص).