الأفيون والعصا

عثمان أيت مهدي

هذا عنوان رواية للكاتب الجزائري الراحل مولود معمري، تصور معاناة الشعب الجزائري قبيل وأثناء الثورة التحريرية. رمزية العنوان مستمدة من واقع الجزائريين تحت نير المستدمر الفرنسي.

لا خيار للطاغية في ترويض شعبه، إمّا أن يسبّح له بكرة وأصيلا، يمشي في مسيرات حاشدة، يصرخ بأعلى صوته مسمعا العالم عن منجزات وتضحيات وأعمال جليلة وهمية قام بها الحاكم الطاغية، أو يقهر بالعصا ويضرّس بأنياب ويوطأ بمنسم.

إنّنا أمام اختيار خيرهما شرّ وأحلاهما مرّ، ولا خيار آخر غيرهما، فكانت الثورات العربية والإسلامية ضد الاستدمار الفرنسي والانجليزي واللإطالي، واستردت الشعوب العربية استقلالها وحريتها، إلا أنّ هذه الثورات سرعان ما حوّلت عن مسارها الطبيعي من محاربة الظلم والقهر والإذلال إلى محاربة العدو الأجنبي الكافر الصليبي.

من يقرأ عن الثورة التحريرية للشعب الجزائري قد يقف مشدوها أمام التضحيات الجسام التي قدمها الشعب من أجل تحرير البلاد والعباد، فكان نعم الثائر، ونعم الشجاع أمام قوّة يحسب لها ألف حساب. لكن، بعد الاستقلال لم يحقق هذا الشعب العظيم ما كان يطمح له ويرغب في تحقيقه، دولة رائدة، اقتصاد قوي، تعليم متطور، شعب واعٍ..

قد يتساءل القارئ، ويحق لأيّ كان أن يتساءل، عن هذا التناقض الصارخ والفجوة العميقة بين افتكاك السيادة من مخالب الوحش، ثمّ الركون إلى التخلف والانحطاط؟

الإجابة على ذلك، أن الشعب الجزائري اختلف في رؤيته لأهداف الثورة، هل هي إخراج الأجنبي من أرض الجزائر؟ أم إعلاء كلمة الله في سماء الجزائر المسلمة؟ أم النهوض ضد الظلم والضيم والمطالبة بالحرية؟

فالذين كانوا يطالبون بإخراج الأجنبي وهم الغالبية الجاهلة من الشعب الجزائري، تحركهم أيادٍ خفية من وراء الستار، تولّد عندهم بعد خروج المستدمر كراهية الأجنبي لا سيما فرنسا، ويعتقدون أنّ تخلفهم ووضعهم المزري مردّه إلى هذا المحتل الذي أقام بالبلاد قرنا ونيّفا.

أمّا الذين آمنوا بالمشروع الإسلامي الذي يعتبرونه خلاص العالم من أمراضه وأخطائه وتجاوزاته، فهم بعض الأئمة والمصلحين من جمعية العلماء الجزائريين. وقد كتب عبد اللطيف سلطاني من قادة الحركة الإسلامية بالجزائر بعد الاستقلال كتابا بعنوان "سهام الإسلام" سرعان ما صودر الكتاب وأوقف عن البيع، لطرحه إشكالية الجهاد في الجزائر، هل كان في سبيل الله أم كان في سبيل الوطن؟

أمّا المجموعة الثالثة، التي يمكن أن نعتبرها من صفوة الجزائريين من قادة الثورة أو من الطبقة المثقفة بعد الاستقلال فقد كانت الثورة عندهم محاربة الظلم والتمييز أولا والمطالبة بالحرية الكاملة ثانيا. وهذه المجموعة شعارها دولة عادلة وإن كانت كافرة.

إذا عدنا إلى سبب هذا التخلف الذي تعيشه الجزائر صاحبة الثورة الخالدة، وما تعيشه الدول العربية التي حاربت العدو المحتل، أنّ أسباب ثوراتها لم تكن من أجل إقامة دولة الحق والعدل والحرية، بل كان شعارها إمّا طرد المحتل الأجنبي الكافر الصليبي، أو إعلاء كلمة الله في بلاد الإسلام. لذلك نرى الشعوب العربية بصفة عامة مريضة بعقدة الأجنبي الذي يتربص بنا الدوائر والشرور، ومريضة بهوس إقامة دولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما زاره رسول الروم وجده نائما بالقرب من جذع النخلة فقال قولته المشهورة: حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر.

وهذا ما نلمسه بعد الربيع العربي وما تعيشه بعض الشعوب العربية، واختلافها في إقامة الدولة التي تتسع للجميع وتحضن الجميع. هل الغاية من الربيع العربي هو إسقاط النظام؟ أم إقامة الدولة الإسلامية؟ أم إقامة دولة الحق والعدل والحرية؟ وقد شاع عن السلف الصالح: ينصر الله دولة عادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الله دولة مسلمة إن كانت ظالمة.