لا للدولة البوليسية ولا للدولة الأصولية
عثمان أيت مهدي
شعار رفعه زعيم جبهة القوى الاشتراكية حسين أيت أحمد أثناء مظاهرة حاشدة، بعد الدور الأول الذي فاز به حزب جبهة الإنقاد الوطني في الانتخابات البرلمانية سنة 1992 بالجزائر.
لقد دفع حسين أيت أحمد الثمن غاليا لهذا الشعار التاريخي. استلّ أبواق النظام وأذنابه وطابوره الخامس سيوفهم وألسنتهم وأقلامهم لمحاربة فكرة مازالت صالحة تنبض بالحياة، ونفس الشيء قام به أنصار الحزب المحظور من الأميين خاصة الذين حمّلوا جبهة القوى الاشتراكية مأساة ما يسمى بالعشرية الحمراء التي راح ضحيتها مئات الألاف من القتلى والمشردين والمعطوبين والأرامل وملايير من الدولارات ذهبت لاستراد الأسلحة لمقاتلة الإرهاب المصطنع.
بعد ما يزيد عن عشرين سنة، ما زالت الشعوب العربية تغطّ في سباتها العميق، تعيش أحلامها الجميلة وتنعم بموروثها الديني أيام الخلافة الراشدة أو بموروثها السياسي المرتكز على الاستبداد والقهر والفساد في ظل الخلافة الأموية والعباسية وبعدها في ظل حكم المماليك في مصر والشام وأخيرا الخلافة العثمانية.
لم تعرف الشعوب العربية فترة للحكم الديموقراطي، كلّ تاريخها يقع بين فكي كماشة، حكم ديني أو حكم عسكري في ثوب مدني.
إنّ ظهور نسمات هذا النظام المسمى بالديموقراطية الذي أطلّ علينا من الغرب يقتضي منّا أن نشدّ عليه بالنواجذ. غير أنّ الأحداث الأخيرة بمصر أرجعتنا إلى سنوات خلت، من أحداث الجزائر حين باركت بعض الأحزاب العلمانية والإسلامية تدخّل الجيش الذي عاث في الأرض فسادا إلى يومنا هذا لم نخرج من مستنقع الإرهاب وحكم البوليس واستفحال الفساد وانهيار الاخلاق والمبادئ وتأخر البلاد والعباد.
ها هي مصر بعظمة مفكريها وفطاحل سياسييها وجهابدة رجالها في القانون يستنجدون بالعسكر ليتدخل في شؤون العامة. متى كان العسكر مؤهلا للتسيير والسياسة؟ ومتى كان العسكر يؤمن بالديموقراطية في مؤسساته؟ نقول في أمثالنا العامية هرب من الموت فسقط في بابه.
لا للدولة البوليسية ولا للدولة الأصولية شعار آمن به حسين أيت أحمد العلماني في القرن العشرين ونصطدم في القرن الواحد والعشرين بشعوب تقول نعم للدولة البوليسية لا للدولة الأصولية أو لا للدولة البوليسية نعم للدولة الأصولية. وأخاف من وقت يولد شعب عربي يقول بملء فيه نعم للدولة البوليسية نعم للدولة الاصولية؟
لن نخرج من هذه الدوامة أو من هذا المستنقع الآسن إلا بتظافر جهود العلمانيين والإسلاميين يدا في يد يضعون دستورا يحدد مهام العسكر ومهام الدين في حياة الشعوب.
ما أثار انتباهي لما يقع في مصر هذه الأيام سلمية المظاهرات والتجمعات رغم بعض الأخطاء التي ارتكبها العسكر الذي يجهل لغة الحوار. دماء مصرية زكية قد سالت على أرض الكنانة وبأسلحة وأياد مصرية ولم تندد أيّ دولة عربية بما جرى، وكأنّ التاريخ يعيد نفسه، لما سالت دماء الجزائريين الطاهرة بأسلحة وأياد جزائرية ولم تندد دولة مصر ولا دولة عربية بما كان جرى آنذاك بالجزائر، وبذلك ينطبق علينا المثل الشهير، لقد أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
الأمر خطير وجاد، وكلّ تقاعس من العلمانيين في نجدة الإسلاميين أو الإسلاميين في نجدة العلمانيين يعني أنّ العالم العربي قد تفكك وأصبح لقمة صائغة للغرب واسرائيل.
لو كان الصراع في مصر بين العلمانيين والإسلاميين لوقفت إلى جانب العلمانيين، أمَا أن يستنجد العلمانيون بالعسكر فهذا خطأ فادح يسجله التاريخ لحساب الإسلاميين، والتاريخ لا يرحم.
استنجدوا أيها العلمانيون بالصندوق الذي إن أعرض عنكم هذه المرة سيقبل عليكم في المرات القادمة، وتذكروا أيها الإسلاميون أنّ الديموقراطية هي حكم الشعب واختياره، إن رضي بكم اليوم فاستعدوا للرحيل إنْ رفضكم غدا. تلكم هي الديموقراطية وما عداها فهي كذب وبهتان وتلاعب بعقول الناس.