المرأة المسلمة بين كرمان وكريمان
عبد الرحمن الشردوب
توكل كرمان ، و كريمان خالص ، اسمان لفتاتان ارتبط اسمهما بالإسلام ، غير أن الارتباط مختلف تماماً بين ارتباط عزّة ونموذج حضاري واقعي للمرأة المسلمة الحرّة الملتزمة ، والمحافظة المناضلة ، والذي تمثّله الناشطة اليمنيّة توكّل كرمان ، التي فازت بجائزة نوبل للسلام كأول امرأةٍ مسلمةٍ تفوز بها تقديراً لنضالها لنيل حقوق المرأة والحفاظ على أمنها، ولمشاركتها ودورها في الثورة اليمنيّة ، وبين النموذج الآخر السلبي الذي لا يمتّ للإسلام بصلة إلا لكون صاحبته ولدت في بلد كانت الخلافة الإسلامية تلفظ فيه أنفاسها فاستغلّ به المتطرفون العلمانيون ويهود الدونمة ضعفه وأغرَوا سفهاءَه ليخرج أمثال " كريمان خالص " التي تربّت على ثقافة الانحلال الغربيّة لتتعرّى ، وتفوز عام 1923 كأول مسلمة تحظى بمسابقة ملكة جمال تركيا .
ولم يكن الفارق الزمنيّ طويلاً بين حصول توكّل كرمان على شهادتها وبين وفاة كريمان ؛ إذ توفيّت الأخيرة عن عمرٍ يناهز 99 سنة ، بعد سنة من حصول كرمان على جائزة نوبل للسلام ، ولعلّ في هذا الأمر رمزيّة لا بدّ من الوقوف عندها ؛ إذ أنّ ثورات الربيع العربي أوقدت في قلوب العرب والمسلمين قبساً من نورٍ مثلّه تحررّهم من ظلم وظلام أنظمة كرّست ورسّخت ما أراده الغرب لها من تغريب المسلمين عن قيمهم وأخلاقهم النبيلة ، وكانوا قد بدؤوه منذ انهيار الخلافة الإسلامية في أوائل القرن الماضي ، فكانت الثورات مهداً لولادة وعودة المكانة السامية ، والقيم النبيلة ، والتفوّق الحضاري للمرأة المسلمة الحرّة القويّة ، القادرة على القيادة والريادة ، والتي تمثّل الإسلام الصحيح ، والتي كانت عودتُها شعلة نورٍ طردت وتطردُ غسق ظلام الرّذيلة والفحش الذي أراد الغرب وأعوانه نشرَه في ديار الإسلام .
إن سعي أهل الكفر والضلال في الغرب لهدم قيم الإسلام وأخلاقه وخاصة فيما يتعلّق بالمرأة المسلمة لم يكن سرا وليس بجديد ؛ فقد قال رئيس اللجنة الأوربية عام 1932بعد سقوط الخلافة الإسلامية فى تركيا , وتكريم " كريمان " كأول مسلمة فى مسابقة ملكة جمال تركيا :
" أيها السادة، أعضاء اللجنة، إن أوروبا كلها تحتفل اليوم بانتصار النصرانية ، لقد انتهى الإسلام الذي ظلّ يسيطر على العالم منذ 1400م، إن "كريمان " ملكة جمال تركيا تمثل أمامنا المرأة المسلمة ، ها هي "كريمان خالص" حفيدة المرأة المسلمة المحافظة تخرج الآن أمامنا "بالمايوه" ، ولا بدّ لنا من الاعتراف أن هذه الفتاة هي تاج انتصارنا، ذات يوم من أيام التاريخ انزعج السلطان العثماني"سليمان القانوني" من فن الرّقص الذي ظهر في فرنسا، عندما جاورت الدولة العثمانية حدود فرنسا، فتدخّل لإيقافه خشية أن يسري في بلاده، ها هي حفيدة السلطان المسلم، تقف بيننا، ولا ترتدي غير "المايوه" وتطلب منا أن نُعجب بها، ونحن نعلن لها بالتالي: إننا أُعجبنا بها مع كل تمنياتنا بأن يكون مستقبل الفتيات المسلمات يسير حسب ما نريد، فلتُرفع الأقداح تكريماً لانتصار أوربا " ومنذ ذاك الحين استمرت فصول المؤامرة الرّخيصة بما حملته من فرض تشريعات ، وسن قوانين ، ونشر للرذيلة بكافّة أشكالها حتى رأينا جيلاً من الفتيات منهزماتٍ حضارياً يقسنَ تخلّف المسلمين على تطوّر ونهضة الغرب معتقدات أنّ الفجور والانحلال تطوّرٌ وحداثة ، والرقص والعريّ رقيّ وتمدّن ، وليس أدلّ على انهزامهنّ الحضاري من رواج السفور ، والتقليد السافر لعاداتٍ غربيّة يرفضها المجتمع المسلم ، ورواج برامج إباحيّة على شاشاتنا كستار أكاديمي وغيره ، وذلك في ظل أنظمة رسميّة صامتة منهزمة ، وداعمة مروّجة ، ومجتمعٍ ما زال يقاوم ، تحكُمه في غالبيته الأخلاق والقيم الإسلامية التي أعادتها ثورات الربيع العربي إلى ساحة التحكّم والتأثير عندما رفعت حمَلَتَها ليستلموا زمام القيادة رافعين شعارات التغيير والرجوع إلى الثوابت والقيم الإسلامية منطلقين من كونهم هم الأصل والصواب ، يعبّر عنهم ما أجابت به توكل كرمان ذاتها عندما سألها الصحفيون الغربيون لماذا لباسك – الحجاب – لا يُعكس مدى ثقافتك ودراستك ، ظناً منهم أنه رمز تخلّف ورجعية ، فأجابتهم :
" إن الإنسان في العصور الأولى كان شبه عاري ، ومع تطور فكره عبر الزّمن بدأ يرتدي الثياب، وما أنا عليه اليوم وما أرتديه هو قمة الفكر والرقي الذي وصل إليه الإنسان عبر العصور وليس تخلفاً ، أما العريّ فهو علامة التخلّف والرّجوع بفكر الإنسان إلى العصور الأولى".