حرية وسائل الإعلام بين العلمانيين والإسلاميين

حرية وسائل الإعلام بين العلمانيين والإسلاميين

بدر محمد بدر

[email protected]

سألتني مذيعة في أحد البرامج الفضائية عن مدى صحة المخاوف التي يتحدث عنها البعض، من غياب الحرية واحترام الرأي الآخر في وسائل الإعلام في حالة وصول الإسلاميين للحكم، على خلفية اعتقال صحفيين في تونس، نشروا صورة خليعة للاعب كرة قدم من أصول تونسية، فقلت لها إن هذه المخاوف لا أساس لها من الصحة، لأن الإسلاميين هم أول من عانوا من الإقصاء وغياب الحرية.

لكننا مع الأسف لازلنا نمارس الإعلام بأسلوب الإثارة، وتهييج الرأي العام بلا منطق صحيح، ولدينا قدرة كبيرة على تعميم الحالات الشاذة، وكأنها ظواهر حقيقية لا بد من مواجهتها، والخروج منها إلى نتائج وتحليلات هي لغو في لغو، والهدف من كل ذلك هو مزيد من تخويف الناس من المستقبل، وزرع اليأس والإحباط في المجتمع، في ظل الصعود السياسي والمجتمعي للتيارات الإسلامية.

مشكلة الإعلام في بلادنا، سواء كان رسميا أو حزبيا أو مملوكا لرجال أعمال، أنه نشأ في ظل الاستبداد والفساد والقمع، فاعتاد على سياسة الإقصاء والتهميش، ومنهج تزييف الوعي، ودولة الرأي والحزب الواحد، وفي هذه التربة الفاسدة نشأ جيل من الإعلاميين؛ إما خائف أو منافق أو انتهازي، أو يفكر في "أكل العيش" بعيدا عن بهدلة السياسة، أو ضعيف لا حول له ولا قوة، وقليل هم أولئك الذين قبضوا على جمر الحقيقة، ورفضوا مسايرة الطغيان، ووقفوا في وجه العواصف.

لقد استعان النظام الفاسد في تلك المرحلة الحالكة، برموز علمانية ويسارية وماركسية معروفة ـ لا يزال أغلبها في مواقعه الثقافية والإعلامية حتى الآن ـ مستفيدا من قدرتهم الهائلة على تشويه الحقائق، وإطلاق الأكاذيب، وزرع الفتن، وإقصاء الآخر، وإشغال المجتمع بالباطل، ومساعدة النظام القمعي في الضغط على الإسلاميين، وإرهابهم فكريا وتشويه صورتهم، ووصمهم بكل نقيصة، فهل يمكن أن يقبل هؤلاء أن يعبر الشعب المصري عن رأيه، في انتخابات ديمقراطية حرة؟!

ولهذا السبب وغيره يبدو المشهد الإعلامي في مصر الآن مزعجا وفوضويا، يترنح تحت سطوة المال والمصالح الخاصة تارة، وبسبب الاختراق الأجنبي والفساد السياسي تارة أخرى، والحل في تقديري ليس في المصادرة والإغلاق والحبس، فهذه مرحلة انتهت بمشيئة الله إلى الأبد، ولكن الحل يكمن في تفعيل ميثاق الشرف الصحفي، وإنشاء جمعيات مهنية وأهلية، تراقب الأداء الإعلامي، وتحاسب من يتجاوز المصداقية والمهنية، بالقانون وحده، بعيدا عن تدخل السلطة.  

الحرية المطلوبة لوسائل الإعلام ليست فقط حرية الصحفي في أن يقول ما يريد، دون إقصاء أو محاسبة أو تهميش طالما لا ينتهك القانون، وإنما في الأساس تبدأ بحرية إصدار الصحف والمجلات والمطبوعات، وحرية إنشاء المحطات الإذاعية والقنوات الفضائية ودور النشر، وأيضا حق الصحفي والإعلامي في الحصول على المعلومات، في مجتمع حر وديمقراطي وشفاف، إضافة إلى توفير أسباب الحياة الكريمة لكل أبناء الوطن، ومنهم الصحفيون والإعلاميون بطبيعة الحال.

وفي مقابل هذه الحرية، التي انتزعناها انتزاعا من الاستبداد والفساد وسنوات القهر والحرمان، تتجلى قيمة وأهمية المسئولية أمام الضمير المهني والوطني وأمام المجتمع المصري الحر، مسئولية الأمانة والدقة والموضوعية والصدق وعدم الإقصاء والتهميش أو البحث عن الإثارة والتشويه، إنها المسئولية الحضارية بكل ما تعنيه من مفردات، فالإعلامي الحر هو أحد رواد صناعة النهضة؛ الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والفنية وغيرها من مجالات.

وسائل الإعلام في المرحلة المقبلة هي مرآة حقيقية وحضارية، أمينة على المجتمع ومشاركة في نهضته، وعلى الزملاء الإعلاميين أن يصلحوا من أنفسهم أولا قبل أن يطالبوا بإصلاح الآخرين.