الطفل السوري بين الشرطي والشبيح

محمد علي شاهين*

[email protected]

يخفي الطفل السوري عادة مخاوفه عند مشاهدة ما ينشر كلّ يوم على شاشة التلفاز، فنظن أنّه لم يتأثّر بهذه المشاهد المروّعة، فإذا حلّ الظلام خاف أن ينام وحيداً، وأصابه الكابوس وهو نائم، وإذا شاهد شرطيّاً في الشارع تعلّق بثوب أبيه خوفاً من هذا المخلوق (المريب)، لأن ما ينشر من حقائق نزع الأمان من قلب الصغير، وزرع مكانه الخوف والقلق.

لا نريد أن نستهزئ بخوف الطفل فتتحوّل مخاوف أطفال سوريّة إلى كابوس يسيطر على حياتهم.

لأنّ مهمّة الأخيار في هذا العالم الموبوء بالكراهية رسم البسمة على محيّا الأطفال، وإعادة الاطمئنان إلى النفوس القلقة، والسكينة إلى القلوب الواجفة.

قد يعتقد البعض أنّ حجب الحقائق المرّة عن الجمهور رحمة بقلوب الصغار والكبار هو الحل، متناسياً دور تلك القنوات الفضائيّة الحرّة التي تعبّر عن ضمائر الأحرار في نمو الوعي السياسي.

وحتى لا تستقر عقدة الكراهية بين رجل الشرطة والأطفال، ولا يستقر في ذاكرة الطفل ما يشاهده كل يوم من عنف فيزداد سلوكه العدواني، أو يفكر في تنفيذ ما يشاهده فيدمّر نفسه ومن حوله كأن يقلّد البطل الذي يطير في الهواء، أو يطأ ظهر طفل بحذائه.

يجب المبادرة لتصحيح صورة الشرطي والعسكري في أذهان الأطفال، وخاصّة صورة رجل الشرطة والعسكري الواقف بجانب الشبيح والقنّاص في حلبة الصراع بين النظام والشعب التي أساءت إلى مؤسّستين جديرتين بالاحترام والتقدير، لأنّ سمعة الجيش والشرطة أسمى من أن تلوّث بهذا الوباء الخطير. 

فما عادت قلوب الكبار ولا أعصابهم تحتمل ظاهرة الشبيح الذي يطأ رقاب العباد ببسطاره الثقيل، ويضرب بعصاه الأب أمام أطفاله، والرجل أمام زوجته وأبنائه بقصد إهانته، فما بالك بقلوب الصغار البريئة، وذاكرتهم الراسخة.

وظاهرة القناص الذي يقف وراء الحائط وينتقي ضحاياه بأعصاب باردة فيصيب منهم مقتلاً، فييتم الطفل البريء، ويرمّل المرأة المسكينة، ويفجع الأم الثكلى بحقده.

إنّ مهام الشرطة كبيرة جداً، فليتفرّغ رجل الشرطة لتنفيذ أحكام المحاكم المتراكمة، وإعادة الحق إلى أهله، ومنع الجرائم قبل وقوعها.

وأن يتفرّغ رجل الأمن لكشف الجواسيس والعملاء الأجانب الطامعين بأرض الوطن، وأن يحسن الظن بمواطنيه، فقد انتهى زمان التصنّت على مكالمات الهاتف، والتلصلص خلف الأبواب، ومراقبة الرسائل، ومقص الرقيب، ولم يعد للجدران آذان إلاّ في مجتمعات الخوف والتخلّف.

ولا يحق لرجل السياسة ولا للحزب الحاكم ولا لرئيس الدولة في عالم الأحرار أن يقحم الجيش والأمن في مغامراته وأطماعه وصراعه مع معارضيه، لأن مهمّة الجيش والأمن حماية الوطن والمحافظة على أمن المواطن.

نريد أن ينال رجل الأمن كفايته من المال وحظّه من السكن والعيش الكريم، حتى يرمي المال في وجه من يفكّر بتقديم الرشوة له للحصول على حقه أو حق غيره. 

ونريد أن يتحدّث الآباء للأبناء عن بطولات رجال الشرطة الذين قدّموا أرواحم دفاعاً عن البرلمان السوري في العهد الفرنسي، عن مطاردة اللصوص والمجرمين، وعن سهر رجل الأمن على أمن  الوطن والناس نيام.

نريد أن يزور طلاب المدرسة مخفر الحي مع معلمهم، ويتلقون من الشرطي الهدايا والحلوى، ويشاهدوا اللصوص والمجرمين في قفص العدالة، فينامون باطمئنان.

نريد أن تكلّف الشرطة في المدارس بتعليم الأطفال آداب المرور في الشارع وانتظارالإشارة الخضراء، ومبادئ الإسعاف الأوّلي والدفاع المدني، وإطفاء الحريق، وأن تتحقّق مقولة الشرطة في خدمة الشعب.

نريد أن يتصدّر المنهاج المدرسي مبادئ حقوق الإنسان ليعلم الصغير والكبير حقوقهم وواجباتهم.

نريد أن تحرق تقارير المخبرين والبصاصين و(الدبابيس) وملفات المواطنين الشرفاء في ساحات الوطن، وأن يكون إحراقها رمزاً لإعادة الثقة بالمواطن، وقطعاً لدابر سوء الظن بين الدولة وأبنائها المعارضين والموافقين.

نريد أن تلغى عبارات التخوين من القاموس السياسي، وأن يتوقف احتكار الحقيقة، وأن يضرب المنافقون على قفاهم، ويقطع دابرهم.

نريد أن تعمّ العدالة في الأرض، بردّ المظالم، وإعادة الحقوق إلى أهلها، وكف يد الموغلين في دماء أبناء الشعب وأموالهم من القتلة والفاسدين، حتى يسود السلام الاجتماعي بين طوائف الأمّة، وطبقاتها الاجتماعيّة.

نريد أن تتحقّق مقاصد الشريعة في هذه المجتمعات التائهة كما لخّصها الإمام الشاطبي في خمسة وهي: حفظ العقل، والدين، والعِرْض، والنفس، والمال.

نريد أن يكون الوطن لجميع أبنائه موافقة ومعارضة، وأن تكون الدولة في خدمة مواطنيها، وأن تعود الطيور المهاجرة إلى صدر الوطن، وأن تدور عجلة الانتاج والبناء والنماء.

نريد أن يغني الشعراء أجمل ما نظموه من قصائد في حب الوطن، وأن يكتب الأدباء أرق الكلمات في تمجيد الشهادة، وأن ينشد الجميع لحن الحريّة والانعتاق.

وأن تمحى صورة الشبيح والقناص من ذاكرة الأطفال، وأن تتولّى الشرطة مهمة تصفية هذه العصابة الجبانة، ومعها القتلة وقطّع الطرق واللصوص.

                

* أديب سوري يعيش في المنفى