ألا يحق للمغدور أن يستغيث؟

بلقيس حميد حسن

أعجب من بعض السياسيين والمتحدثين بشؤون الثورات العربية, الذين يطلبون من الشعوب العربية التي تقتل يوميا وتذبح ذبح النعاج ان لا تستغيث, وأن لا تستصرخ العالم, وأن لا تطلب أية مساعدة  أو تدخل من جهة ما, كي لا يـُحسب عليها موقفا يطعنها بوطنيتها كما يقولون, فهم يعيبون على المظلوم لو طلب من أحد ان يغيثه, بدعوى ان مستقبل الوطن سيكون مرتهنا للدول التي ستساعده, متناسين تماما ان من يواجه الموت غدرا وظلما لابد وان يستغيث ومن حقه ذلك, كما انهم لايأبهون لجسامة التضحيات وتأثيرها المستقبلي على الوطن, ويراهن هؤلاء على امكانية الشعب الأعزل بالنصر على كل ترسانة السلاح وعلى كل ما يملك الطغاة من أجهزة قمعية مرعبة, بكل ماعندها من آلات الموت التي تسلطها على الشعوب المقهورة والصامتة هلعا على مدى عقود من الظلم والطغيان. فأي ظلم هذا ؟

غريبة هذه المعادلة اللا انسانية واللامنطقية التي يقولها البعض!

ان ماجرى في ليبيا على يد الطاغية القذافي, ويجري اليوم في سوريا, واليمن,  وعلى مدى مايقارب نصف قرن, لهو كارثة بكل المقاييس الانسانية, هو دمار وموت يومي يلاحق البشر والحجر, ويقضي على الالاف بالسجون والمطاردات والتهجير والعذاب الذي لا يحتمله بشر, فما فرقه اذن عن الفيضانات والأمراض القاتلة والمعدية كالكوليرا والطاعون والزلزال؟

ان أي شعب يواجه كارثة طبيعية سيطلب مساعدة العالم حتما, فلماذا نعيب على الشعوب أن تنادي غيرها للإغاثة من شر حكومة لا تقدر دفعه لوحدها, وبذات الوقت لا نريد لها ان تستعمل السلاح خوفا من حرب اهلية, مع انها في حالة الدفاع عن النفس, اذ تهدد بخطر داهم محدق بحياتها لاسبيل لدفعه عنها الا بالرد على المعتدي بنفس طريقته.

هناك نوع من الدكتاتوريين لا يمكن ان يسقطوا ويتخلوا عن الحكم بسبب التظاهرات السلمية والاعتصامات والاحتجاجات المضادة لهم ابدا, انهم نوع مهووس بالحكم, مجنون به, ولو اجتمعت عليه كل شعوب الارض, فهتلر,  وصدام,  والقذافي,  والأسد, الخ, لا يمكن ان يتنازلوا مالم تسقطهم  قوة أكبر منهم, وسلاح أمضى وأقوى من ترسانة سلاحهم, سلاح  يحطم شعورهم بالعظمة والغطرسة, عدا ذلك فهم يمضون في قتل الشعوب وتدمير البلد بلا ادنى احساس او أسف طالما هم رؤساء,  وهناك من يركع لهم ويقبـّل صورهم أمام الكاميرات, والبرهان على ذلك القذافي الذي يقول في خطاب له وهو محاصر في بقعة صغيرة من ارض طرابلس التي تتحرر اغلب مناطقها تباعا, يقول: انظروا للناس يقبلون صورتي, يقولها ضاحكا والناس تحارب وتموت.

عجبا! ألا يرى القذافي ان ليبيا يحررها الثوار, ولم يبق سوى ساعات لتتحرر بالكامل؟ ألا يعلم بحجم الخسائر التي لحقت بأزلامه؟ ألا يسمع ويرى كل وسائل الاعلام التي تبرهن وبالأدلة القاطعة على قرب يوم الخلاص منه؟. الظاهر أن القذافي لا يسمع سوى موسى ابراهيم الذي يذكرنا بمحمد الصحاف العراقي, صاحب الكذب المكشوف والمضحك.

أخيرا, هنيئا للشعب الليبي الشجاع نصره المؤكد, هنيئا له الحرية الحمراء التي يستحق, وياشعب سوريا البطل, لا تستعيب استغاثتك وهي حق لك, وهاهي الثورة الليبية تحتفل بنصرها القريب, ولم يحتل أحد ارضهم. الوطن ليس الارض والمال, انما الوطن الانسان, والشعب قادر على اختيار وسيلة للحرية بأقل الخسائر, واتمنى أن لا تكلف حرية اي شعب ملايين الشباب وتخلف ملايين الايتام وملايين المرضى والمعاقين, عندها ستكون النتيجة كوارث اخرى, وامراض مستعصية, وشعبا  لا يقوى على دفع الاخطار ولا على البناء, فحينما تنتكس الثورات كما انتكست انتفاضة العراق عام 1991, ستكون النتائج وخيمة ويتعقد الأمر على الشعب أكثر, فالإنسان أغلى وأهم من الثروة والأرض, والانسان هو الذي يعمر ويبحث عن الثروات, والحفاظ على البشر من الإبادة هو غاية الوطنية, فمانفع الارض بلا بشر, أما أن يبقى الشعب تحت قهر دكتاتور لا يهمه ابادة الملايين لعقود طويلة, لأمر غير مسؤول, ودمار لابد من وضع حد ٍ له.