حول مفهوم العدالة وتطبيقها
جمال سعد حسن ماضي
· ماذا يحدث عندما يختفي العدل ؟ نعم يتفشى الظلم : القوي يفتك بالضعيف ، والقادر يسلب حق العاجز، والغالب يريق دم المغلوب ، والحاكم يهضم حق المحكوم ، والكبير يقهر الضعيف ، ولا مـخرج مـن هـذا الهـرج والمـرج إلا بالعـدل فما مـفهوم العـدل ؟ وما أنـواعـه ؟
1- العدل الأمريكي
· دعنا قبل أن نبين مفهوم العدل أن نتأمل هذه الواقعة التي تفصح عن العدل البديل المطروح اليوم وتروج له وسائل الاعلام والدعاية على مستوى العالم .
· رجل كام يمشي في حديقة من حدائق نيويورك فجأة رأى كلبًا يهجم على فتاة صغيرة فركض الرجل نحو الفتاة وبدأ عراكه مع الكلب حتى قتل الكلب وأنقذ حياة الفتاة ، في تلك الأثناء كان رجل الشرطة يراقب ما حدث فاتجه الشرطي نحو الرجل وقال له : ( أنت حقا بطل )
2- العدل الحقيقي
مفهوم العدل الحقيقي يقوم على ثلاثة أركان : ( إعطاء كل ذي حق حقه ، وإن خيراً فخير وإن شراً فشر ، ومن غير تفريق بين أحد ) ، وهذا هو مفهوم العدل في الإسلام ، حتى تختفي الصور الكريهة في المجتمعات ، وإن حدث تهاون في أي جزء من هذه المفاهيم الثلاثة حدث خلل في العدل ، ولذلك فهي دوائر متداخلة ، فلا يصح إعطاء كل ذي حق حقه مثلاً في الخير فقط وليس في العقاب !! كما لا يصح إعطاء كل ذي حق حقه ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، ولكن بترك الكبير والشريف ، وتطبيقه فقط على الضعيف والمقهور والعاجز ، فالكل سواسية لا تفريق بين المستحقين .
وحاجتنا إلى العدل في كل لحظة : فقد بعث الله الرسل وأنزل الكتب لإقامة العدل ، والـدليل في قولـه تعـالى : [ لـقد أرسـلنا رسلنا بالبـينات وأنزلـنا معهـم الكـتاب ليـقوم الناس بالقسط ( أى العدل )] المائدة / 25 ، وقد شبه الله تعالى العدل بالميزان فهو لا يختل أبداً فالخلل من الناس ، ولذلك : فهو سبب للسعادة فالانسان يتألم من سلب حقوقه ، وهو كذلك يأمن المجتمعات من الدمار والهلاك ، فكل مناجي التشريع ترتبط بصفة العدل في : ( نظام الإدارة ـــ نظام الحكم ـــ نظام القضاء ـــ نظام الأسرة ـــ نظام الأقتصاد ـــ نظام الاجتماع ـــ السلوك )
3 – كيف نحقق العدل ؟
1- عدل في الدنيا : يقول تعالى : [ ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ] المائدة / 25 ، فعلى مر الزمان جاء الأنبياء والرسل ليدفعوا الظلم عن الناس ويمنعون ضرره وينشرون العدل ، ويكفي أن أول جريمة على الأرض وأول معصية في الوجود ، أودت بحياة انسان بريء على وجه الأرض .
2- عدل في الآخرة : وهو الذي استأثر به الله تعالى يوم القيامة فلا يفلت الظالم من عقاب جرائمه وإن أفلت منها في الدنيا ، فإن الله يمهل ولا يهمل ، وكذلك فالعادل لا يُحرم من أجره شيء ، والذي أعاده الله له جزاء تحمله ولقاء صبره لقوله تعالى : [ ونضع الموازين بالقسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا ] الأنبياء / 47 .
3 – عدل في الواقع :
عدل شامل :
وعدل خاص بالانسان :
سواء كان في علاقته مع نفسه أو مع الناس أو في دولته ، فعدله مع نفسه : يوازن بين العقل والغضب والشهوة سواء كان العدل ذاتيًا نابعاً من كيانه أو أثراً من الخارج كعلم أو معرفة أو إدراك أو اقتداء ، وتتـجلى صور العـدل مع النفس في عدة صور مثل : العدل بين الجسد والروح والعدل بين العقل والفكر ، والعدل بين العمل والكسل والعدل في الأخذ والعطاء .
وعدله مع الناس : نعـني به معتدل في الحقوق والواجـبات ، في البيع والـشراء ، والحكم والقضاء ، في الشهادة والأمانات ، في المنع والعطاء ، سواء كان أباً أو زوجًا أو حاكمًا ، والأدلة : يقول تعالى : [ إن لله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل] النساء / 58 .
وعدله في دولته : يعمل على استقرار واطمئنان المجتمع ، وحافز على العمل والانتاج ، و نماء العمران وكثرة الخيرات والأرزاق ، والثقة بين أفراد المجتمع ، يقول ابن خلدون : ( اعلم ان العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بأمالهم في تحصيلها واكتسابها ، لما يرونه حينئذ من أن غايتها ومصيرها انتهابها بين أيديهم ، وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرعايا عن السعي في الاكتساب والعمران ) ، ولذلك فالبديل - كما نري اليوم - إذا اختفي العدل هو الثورات والانتفاضات ، مثل : غضبة الانتفاضة أمام الظلم الصهيونى ، وغضبة الشعوب المحتلة ضد محتليها ، وأخيراً : ثورات الشعوب لرفع الظلم الواقع عليها من أنظمتها المستبدة الظالمة .