الجرائم الخفية لنظام مبارك

كثير من الناس – اليوم – في مصر لا يشغلهم إلا الحديث عن الجرائم التي اقترفها نظام مبارك السابق في حق الشعب المصري , وهؤلاء الناس يوجهون جُل حديثهم حول الجرائم الظاهرة أو الجرائم المادية لهذا النظام مثل : نهب ثروات وخيرات مصر, وتزاوج السلطة برأس المال , وانتشار المحسوبية والرشاوي ,وجعلها قانوناً , وزيادة معدلات الأمية والبطالة ,وتراجع زيادة مساحة الرقعة الزراعية ,وتدمير الصناعات لصالح بعض الدول والأفراد , وتدمير المستوى الصحي للشعب المصري,و إفساد التعليم عن عمد وبأسلوب دقيق ومنظم, إضافة إلى تراجع دور مصر الإقليمي والدولي .

وكل هذه الجرائم قد تقاس بالحسابات المادية ,وتقع تحت طائلة المساءلة القانونية ؛ لكن هناك جرائم خفية قد ارتكبها هذا النظام قد يتناساها بعض الناس وهي بالطبع أشد ظلما وتأثيرا من كل الجرائم السابقة , ولا يمكن بأي حال من الأحوال حسابها مادياً , وهذه الجرائم الخفية هي أكثر من أن تحصي أو تستقصى فمنها :

إهدار كرامة الشعب المصري وزرع الخوف والجبن داخل الناس, حتى صار الناس على  حد تعبير أحد الظرفاء :" قالوا لنا امشوا جنب الحيط فمشينا جوا الحيط ومع ذلك لم يعجبهم !" .

كذلك: زرع روح اليأس والسلبية والاستسلام في نفوس الناس, فأصبح شعار كل منهم : " وأنا مالي " , وأيضاً :غرس الأنانية وحب الذات في النفوس حتى صار أحدهم يغلب مصالحه الشخصية على المصالح العامة , وكذا :تراجع إعلاء منظومة القيم والمبادئ ومراعاة الضمير , وإهدار قيم العمل والإنتاج , وتضليل الناس بإعلام يعمل على تنمية الجهل وطرد العلم والثقافة , وإفساح المجال للرويبضة , فصارت مقومات الشخصية المتصدرة : النفاق والتملق , كما قال الشاعر العربي قديما :

لا يصلُحُ الناس فوضى لا سَراة  لهمُ * ** ولا سَراة إذا جهالهم سادُوا
تُلفَى الأمور بأهل الرشد ما صلحتْ *** وإن تولتْ فَبِالأشرار تنقادُ
إذا تولَّى سَراةُ القوم أمرهمُ *** نما على ذاك أمرُ القوم فَازْدادوا

كما ظهرت الفروق الواسعة بين الطبقات مما أظهر روح التعالي والتكبر بين أبناء الوطن الواحد , وأخذ الناس من شدة الظلم والاستبداد والقهر يستحلون المال العام ليستطيعوا أن يواجهوا أعباء الحياة , إضافة إلى إصابة الكفاءات بالإحباط الشديد ,وهجرة العقول الناضجة والمبدعة من العلماء من مصر ,  وتراجع دور الشباب في النهوض بواجبه نحو بوطنه وأمته.

وكل هذه الجرائم يجب أن يحاسب عليها هؤلاء , فإذا ما استطاعوا أن يفلتوا من محاسبتهم قانونيا ً على الجرائم المادية الظاهرة فإنه يتوجب علينا أن نحاسبهم على جرائمهم الخفية التي أفسدوا بها البلاد والعباد .