هل أموال النفط السعودي تخرج حشاشين بأمريكا
هل أموال النفط السعودي تخرج حشاشين بأمريكا؟
فؤاد وجاني
إلى الجامعة جاءا، والمجيء لايكون إلا على كراهة، متأخريْن بعد ليلة قضياها في المرقص يتداويان بالتي كانت هي الداء. لازلت رائحة الخمر العفنة، لنسمها قهوة مجازا كما سماها عرب الجاهلية قديما، تفوح من صدريهما. تعب ليلة البارحة لم يثنهما عن الفخر أمام زملائهما بمفاتن الحسناوتين المكتنزتين السمجتين اللتين أغدقتا عليهما بوجبة جنسية سريعة ومكلفة. لاشيء مجاني في هذا البلد، وإن كان الشيء حبا، ولايُكتفى بالمحسوس فلابد من التجسيد في الملموس. إنها ثقافة الحصول مقابل العطاء السخي ياطالبي الدواء من داء الغفلة.
هذا مشهد واقعي متكرر لكثير من طلاب العلم السعوديين في أمريكا، والمشاهد المماثلة متعددة متنوعة.
زيارة أخرى قصيرة الى سجلات المحاكم تجد فيها قائمة طويلة عريضة بجنح وجنايات تحت تأثير الكحول أو حيازة المخدرات المحظورة أو كليهما أو ربما عراك مرجعه الحشيشة نشب بين رفيقي حجرة من نفس العشيرة، وأبطالها طلاب سعوديون في زهرة العمر أتوا من معقل مكة.
إذا لم تكن ممن تروق لهم أروقة المحاكم أو ساحات الجامعات الأمريكية، فزيارة شخصية الى الملاهي والمراقص الليلية تفي بالغرض، لترى بأم بؤبؤي عينيك المبتعثين بمنحة تسيل ذهبا أسودا وهم يمثلون العقال والغترة السعوديين خير تمثيل، وترمق الشارب العربي القادم من جبال سواج وقحطان وعرفة يتنزه في أتيه حالاته.
سِنّ صاحب مقهى "الشيشة" كسن الليث لاتبرز إلا لزيارة الطلبة السعوديين مرتادي حرمه الأنسي كل ليلة. ويعترف الليث -أقصد صاحب الوكر- اعترافا وقحا مزهوا أن لولا إغداقهم وكرمهم عليه لأغلق باب جحره منذ زمن طويل ليقعد خلف مقود سيارة الأجرة، ولتكن "الليموزين" إن أُسعِدَ حظا. لذلك كان الليث – لعله ذئبا- ذكيا في توظيفه للشقروات الحسان ضمانا لتخرج الطلبة من معهد دخان الحشيش ومدرسة فتنة النسوان.
في هذه العينة من الأماكن يدرسون العلم الذي لاينفع، ويدوخون الرأس الذي لايعي، ليعودوا فارغي الكفين من شهادة لطالما رُفعت لها أكف الوالدين ضراعة عل وعسى الابن المبتعث يكحل عينيهما بفرحة التخرج يوما قريبا.
أغلب مرتادي هذه الأماكن النتنة يولون أدبارهم مصفري الأيادي الى السعودية أو مرحلين مطرودين من دائرة الهجرة الأمريكية بعد أن يذوقوا لظى السجن وقساوة الاعتقال، ليكون الأعرابي أحسن منهم حالا قد فاز بخفي حنين بينما هم أضاعوا الجمل بما حمل.
وقد يتعضل الأمر ويشتد غلظة فيتحول تعاطي الحشيش والنبيذ من مجرد استهتار مراهقين إلى ارتكاب جرائم قد تصل حد القتل أحيانا كما وقع لبعض السعوديين الذين سفكوا دم صديقهم في أمريكا، احدهم لازال قابعا خلف قضبان محابسها في دنفر بينما فر الآخرون إلى السعودية حيث عفت عائلة الضحية عنهم هناك ليُطلق سراحهم شرعا وقانونا إلى فضاء الحرية الثمينة.
السفارة السعودية بواشنطن بمعية شركة أرامكو بهيوستن تصرفان بلايين الدولارات على الطلبة السعوديين، وأولاد الميسورين حالا يدرسون على حسابهم ويتلقون من آبائهم التحويلات البنكية السخية، كل ذلك أملا في أن يعودوا غانمين شهادة وعلما قد يرفعان مستوى البلاد ويملآها مهندسين وأطباء ومقاولين وعلماء وخبراء ينهضون بالسعودية من مصاف دول العالم الثاث إلى الأول ويخفضون توكلها على النفط النافذ يوما ما.
القلة القليلة تحقق البغية وتصيب المرمى فترجع بشهادات عالية ترصع الجبين، بينما يُهدر المال وتُستنفد الطاقات هباء غبارا على كثير منهم في المحاكم ومكاتب المحاماة ليعودوا بعدها فارغي نافضي الأيادي من العلم والأخلاق.
الملوم ليس هؤلاء الشباب بل الدوائر التي تبعثهم، فلايعقل أن يبعث آلاف الطلاب إلى الدراسة في أمريكا دون حسيب أو رقيب يحاسب ويراقب سيرهم في منهاج المهمة التي بعثوا من أجلها. ولايعقل عدم وجود مكاتب للإرشاد الدراسي والتوجيه التربوي والتأطير القانوني تتوزع على الولايات حيث يتواجد الطلاب تواجدا وافرا. ولايعقل عدم توفير وسائل ترفيه بديلة تديرها جمعيات ثقافية ورياضية تخلق الأمان في نفوس الطلاب وتربطهم بمنبتهم.
إن هؤلاء الشباب مستقبل البلاد وأملها نحو الرقي، والبلاد كل البلاد ترقى بالعلم والمعرفة، والوقت والمال أمانتان عظيمتان وجب الحرص عليهما وصرفهما في أوجه الخطو نحو النجاح والتقدم. ثم إن الخطاب الديني لم يرق بعد إلى تطلعات هؤلاء الشباب ولم يواكب عصرهم، ولاتركز لغته على بناء شخصية الفرد القوية بمعزل عن المجتمع بل يغلب عليه طابع النفاق الاجتماعي، لذلك مايفتأ الشاب يخرج من مجتمعه السعودي حتى تتلقفه الأهواء وتسحبه التيارات فينجر وراءها دونما مقاومة في المجتمع الجديد.
قد يزعج كلامي هذا بعض الناس والسلطات لكن انزعاجهم وغضبهم أهون عندي من عدم إصلاح مافسد وماسيفسد إن هم لم يحركوا ساكنا، وعدم استفادة هؤلاء الشباب من الفرص التي مُنحوها مهدرين الطاقات والأموال التي رُصدت لهم في التيه والتفه لتواصل البلاد محنتها في البقاء في دوامة الدول المستهلكة